كان أول ما اشتغلت عليه ماكينة الثورة المضادة في دول الربيع العربي النيل من المقاومة الفلسطينية، واتهامها بالإرهاب، في تبنٍ واضح للخطاب الصهيوني، وفيما بعد، عمدت أجهزة ما أسميته التنظيم الدولي للثورات المضادة إلى النيل من ثورات الربيع، انطلاقا من دمغها بأنها لم تكن إبداعا شعبيا خالصا، بل كانت مؤامرة كونية إرهابية، وكان أول من فعل ذلك الجنرال عمر سليمان، صديق القادة الصهاينة الوفي، ورئيس مخابرات ثم نائب حسني مبارك، الملقب بالكنز الاستراتيجي لدى دوائر السياسة الإسرائيلية.
وفيما بعد، انطلق إعلام الثورة المضادة، مدعوما بأجهزة استخبارات إسرائيلية، أو مرتبطة برجال الكيان الصهيوني في عواصم التطبيع العربية، لتشويه الربيع الشعبي العربي، واستهداف عناوينه البارزة، وكان منها ما عرفت بموقعة الجمل في مصر، من خلال إلصاقها بحركات المقاومة المرتبطة بالإسلام السياسي، وعلى رأسها "حماس".
ولم يكن من قبيل المصادفة أن الحجج التي استخدمتها المحكمة، لتبرئة حسني مبارك ونظامه، لم تخرج عما كان يردده عمر سليمان، قبل رحيله الغامض، ثم ورثته في المؤسسة الأمنية من بعده.
وقبيل انقلاب الثلاثين من يونيو، نشطت الصحف التابعة لقائد عملية الانقلاب، والتي تحدث عنها باعتبارها "أذرعه الإعلامية"، في ترويج مساخر من نوعية رصد مكالمات بين مرشد الإخوان وقيادات حماس، تزعم أن الأخيرة كانت حاضرة في موقعة الجمل، وأنها قتلت المتظاهرين بالمقلاع، وهي الحواديت التي كشفت حركة حماس فيما بعد أنها صنعت في مطابخ الموساد الصهيوني، وجرت عملية نقلها ساخنة ومتبّلة إلى صحافة الانقلاب في مصر، عبر رجال محمد دحلان.
وتلت ذلك مرحلة طرح مفهوم مختل للوطنية، قلت عنها في حينها إننا "نعيش الآن زمن المسخ، حيث تنشط ماكينة جبارة في الحفر عميقا داخل ذاكرة المصريين ووجدانهم، لتثبيت معايير جديدة لوطنية جديدة (فاسدة)، تقوم على جهل بالتاريخ، وتحلل من القيم واستغراق في البذاءة والابتزاز".
"ومن معايير الوطنية الجديدة الفاسدة أن تكون عنصرا نشطا في "مشتمة" مفتوحة على مدى 24 ساعة يوميا، فالوطني النموذجي، وفقا لمعايير هذه الأيام التعيسة، أن يلعن القضية الفلسطينية، ويعادى مقاومتها (حماس)، ويتمنى لو أن "إسرائيل" صبت جام إرهابها ووحشيتها على الفلسطينيين في غزة".
وكان طبيعياً، والأمر على هذا النحو المخجل، أن تقرأ تعليقاً على فضيحة "المقلاع" في صحيفة ثورية (بمعايير الثورية المستحدثة)، يقول فيه نصا: "نفسي إسرائيل تقوم تدك غزة بالصواريخ، علشان يكونوا عبرة عاللي عملوه في مصر بمعاونة الخرفان".
هذا التعليق الكارثي أصاب مصرياً، يعيش في ألمانيا، هو الصديق مجدي الجوهري، بصدمة أقرب إلى الصعقة، فأرسل لي يقول "أتتبع بدقة وتمعن ما يحدث من تغيرات جذرية في الشارع وفي العقل المصري ومن تخريفات ومراهقات سياسية، ومن انهيار للقيم، وبالذات في ما يعتقد البعض أنه نوع من الصراع السياسي. كل هذا كوم، وأن أفاجأ (بل أصعق) اليوم بـ"مواطن" يطالب، في تعليق على مقالة في "المصري اليوم"، إسرائيل بأن "تدك غزة بالصواريخ، علشان يكونوا عبرة عاللي عملوه في مصر بمعاونة الخرفان" ده كوم تاني.
ولو وضعت تلك المقدمات الكارثية بجوار ما تمخض عن تحالف الثورات المضادة مع إسرائيل من نتائج، ظهرت، بوضوح، مع العدوان الأخير على غزة، ستخرج بخلاصة تقول إن الراعي الرئيسي للانقلاب على ربيع العرب يقبع هناك في واشنطن وتل أبيب.
ولكل هذا، وغيره كثير، حريّ بكل عربي حر أن يحتفل بسبعة وعشرين عاماً من الرجولة العربية، والنضال الحقيقي في مواجهة المستعمر، هي عمر حركة حماس.
كل عام وأنتم رجال ومقاومون وأبطال.
"العربي الجديد "