بمعيار ما، يمكن اعتبار "داعش" اسماً لمسحوق الغسيل المفضل لدى جمهور الثورات المضادة، وأنظمة الاستبداد العربية.
هو الحل السحري المطلوب لدى عموم الكارهين الألداء لموجة ثورات "الربيع العربي" في المشرق والمغرب، فقد وجدوا فيه ضالتهم لكي "يقاوموا الإرهاب وينتقموا من الثورات" على طريقة اليهودي العتيد "كوهين ينعى ولده ويصلح الساعات".
إن الاستثمار ذا العوائد الكبيرة في مشروع "الحرب على داعش" تجاوز مسألة غسيل الأيدي من الدماء، وغسيل السمعة من القتل، وغسيل التاريخ من المجازر، وإسقاط الديون والجرائم.. تجاوز ذلك إلى محاولة الحصول على أرباح إضافية، تتمثل في مواراة ما تبقى من ملامح للربيع العربي الثرى، تحت سنابك هذه الحملة "التترية" الصاخبة التي تستبق الحرب بإعلان انتصارها على "العدو" قبل أن يبدأ القتال، لا بل قبل أن توضع خطة واضحة الأهداف والوسائل لهذه"الحرب لمجرد الحرب".
خذ عندك إقدام النظام في القاهرة على توقيع اتفاقية أمنية مع الحكومة الليبية تسبغ شرعية على التدخل العسكري المصري، دعما لمحاولة انقلاب الجنرال حفتر، والتي تدور أحداثها منذ عدة أشهر، فليس ثمة مصادفة أن توقّع هذه الاتفاقية قبيل وصول جون كيري إلى مصر في إطار "جولة دفع مقدمات الأثمان" للأطراف الأكثر حماسا لركوب قطار الحرب ضد تنظيم الدولة.. وبعد إبرام الاتفاقية مباشرة، تصدر التصريحات الأميركية/ المصرية معلنة رفض التدخل الأجنبي في المسألة الليبية.. أي يبقى حسم الأمر في عهدة الحكومة الليبية، مدعومة باتفاقية شراكة أمنية مع مصر، ومن ثم لن يقول أحد إن الحضور العسكري المصري نوع من التدخل الأجنبي.
أما عن زيارة جون كيري وزير الخارجية الأميركي إلى القاهرة، فقد دفعت مقدماً مكافأة رمزية لسلطة الانقلاب المصرية، إذ اختزلت قصة 14 شهرا من المذابح والمجازر والممارسات التي تقترب من الفصل العنصري، إلى مجرد أزمة بسيطة في حرية التعبير، فضلا عن إعادة رسم حدود الدور المصري، وفقا لخرائط نظام مبارك "شريك أساسي في مواجهة الإرهاب".
وبالطبع لم تفوّت الإدارة المصرية الفرصة، فعمدت إلى توسعة مفهوم "الحرب على الإرهاب" ليتعدى حالة داعش، وينسحب على قوى وحركات أخرى في المنطقة، لم يسمّها وزير الخارجية المصري، غير أن صديقه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، كان قد استبقه في تسمية "حماس".
أعلم أن الإدارة الأميركية لم تعلن موافقتها على هذه "الإجراءات التوسعية" الصادرة من أنظمة تتفوق على "داعش" في ممارسات إرهاب الدولة، غير أنها لا تملك الرغبة، وربما القدرة أيضا، في مواجهة هذه الأشواق الانتقامية من تحالفات أخرى نشأت على هامش، بل في القلب، من التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، قوامها سلطات الانقلابات والثورات المضادة والاحتلال.
وكان لافتا كذلك هذه الزيادة الجنونية في معدلات إشعال الحرائق فيما تبقى من آثار لثورة يناير المصرية، مع تصاعد الحديث عن العد التنازلي لبدء الحرب على "داعش" إذ يبدو أن المزاج الانقلابي المصري يريد أيضا أن يضع "ثورة 25 يناير" على لائحة الحركات الإرهابية المتطرفة في المنطقة، حيث يتدحرج الاتهام من "توك شوز" فضائيات الثورة المضادة، ليتلقفه النائب العام ويفتح التحقيقات فورا في اتهامات تطال كل الحركات التي شاركت في الثورة.
وإذا مضت الأمور على هذا النحو المغرق في عبثيته، وتحقق ما يريده "تحالف الثورات المضادة" المنبثق من التحالف الدولي ضد "داعش" فليس مستبعدا أن يكتب التاريخ عن "داعش" أنه "إله الثورات المضادة" عند المصريين الجدد.
"العربي الجديد"