الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٢ صباحاً

انشقاق أم إعلان ولاء والرضوخ لوصاية الميليشيا المسلحة

سامي نعمان
الأحد ، ١٤ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٠٠ مساءً

يحتفي إعلام عبدالملك الحوثي، ومنظريه -باستثناء البعض خشية اظهار التناقض الصارخ مع ماضي ادعاء المثالية- بانشقاق كتيبة عشكرية في جبل النبي شعيب وانشقاقات أخرى في صفوف الجيش، وذلك يشير لشيء واحد..

أنهم لم يكونوا صادقين طيلة الفترة الماضية وهم ينتقدون انشقاق الجيش خلال انتفاضة 2011، وأن المواقف تفصل على المزاج وخدمة الاهداف.
ثمة فرق بين انشقاف 2011، وما يشار إليه باعتباره انشقاقاً عام 2014..

في الأولى كان هناك شعب أعزل، وهو الأضعف في ميزان القوة، لكنه الأقوى بثورته وإرادته والتمثيل الشعبي، فانشق شطر من الجيش، دون وجود أي قوة أو تهديد مسلح يجبره على ذلك، انشق بحجة تأييد الشعب، وحمايته بعد تعرضه لمجازر وحشية، وأياً كانت أهداف هذا الجيش ومآرب قيادته، اتحدث عن واقع الثورة ومسوغ الانشقاق الظاهر حينها الذي حظي بترحاب كثيرين، بعضهم تراجع عن موقفه لاحقاً، بمن فيهم الحوثي الذي رحب يومها شريطة اعتذار اللواء علي محسن عن ماضيه ( عند انشقاق الجيش عام 2011 اعتبر الأمر بمثابة انتصارا للثورة، وكان هناك تحريض له على الانشقاق والانضمام لصفوف الشعب، قبل ان تتراجع كثير من المواقف بعدها).

أما في الوضع الحالي، وفي واقع الاحتجاجات "السلمية" داخل العاصمة المضمونة بأضعافها من مخيمات مسلحة تتبناها جماعة الحوثي، يبدو الحديث مضحكاً عن "انشقاق" لحماية المعتصمين وتأييد لمطالب الحوثي، وابداء الاستعداد لحماية المعتصمين.. مشهد الضباط والجنود وهم يظهرون معلنين تأييدهم لمطالب الشعب التي يغلف بها الحوثي تحركاته، تعكس مدى ما وصل إليه الجيش من تعدد ولاءات قديمة جديدة، وضعف وانقسام، في ظل دولة مترهلة.. اكبر اهانة ان يعلن الجيش تأييده لميليشيا مسلحة، لم تمض سوى بضعة أسابيع على فتكها بفصيل منه واستباحته، وتتبجح بقتلها آلاف الجنود الذين تباهي بمضاعفة أرقامهم.. ليست مشكلة الميليشيا وحدها بقدر ما هي مشكلة منظومة الدولة بأكملها، سلطة وقيادة عسكرية وتيارات سياسية..

هذا الأمر يوحي وكأن تلك الجماعة مستضعفة وهي التي سحقت خصومها وهجرتهم ودمرت مساكنهم ومساجدهم ومدارسهم، بل وصلت بها القوة حد اجتياح عاصمة محافظة احكمت سيطرتها عليها بالكامل واتباحت لواء عسكرياً من بين أكبر ألوية الجيش ونهبته وقتلت قائده، وهو الذي إن لم يسلم استبيح.

الجماعة اصبحت تشكل خطراً وجودياً على الدولة برمتها، وهي تحاصر معسكرات بأكملها، وتتهياً لمهاجمتها، وبدأت مهاجمتها بالفعل، في حين تقف الدولة في وضع الدفاع، وتتجنب اي استفزاز وتقدم التنازلات للميليشيات تفادياً للحرب وسط أكبر تجمع سكاني في البلاد..

هذا ليس افتراء، فأعقل متحدث رسمي باسم ثورة الحوثي خرج ليبشر بخسائر جيش "العدو" من الآليات والمدرعات والأطقم العسكرية، بعد أن انتشر مسلحوها في أحد أحياء العاصمة ليشكلوا تهديداً خطيراً على أحد أهم معسكراتها، واحتلوا مدارس ومبان حكومية ومنازل لمواطنين رداً على اعتداء على متظاهرين من جماعتهم قرب مقر الحكومة، مع أنهم كانوا يعدون في السابق مظاهرة كهذه عدواناً يتحمل مسؤوليته المنظمون..
انشقاق الجيش في هذه اللحظة ووفقاً لتلك المعادلة، وفي منطقة اصبحت خاضعة لهيمنة الجماعة، ويخضع فيها اللواء لسلطة الأمر الواقع، أو يلتزم الحياد (بل يقبل الوصاية في الحقيقة)، هو مجرد هروب من هواجس السقوط ومخاوف الاجتياح والاستباحة، كما حصل سابقاً، هذا فضلاً عن قيادات وضباط معروف ان لهم ولاءهم الخاص.واقع الحال، وفي ظل ميليشيا مسلحة تهدد العاصمة بمعسكراتها المسلحة، وتترصد بالمعسكرات المحيطة بها بل وتجاهر بشكل وقح بمهاجمتها وتكبيدها الخسائر، فإن ما حدث ليس انشقاقاً، ولا انضماماً، بل هو أحد أمرين:
إما مجاهرة بإعلان الولاء للقطب الصاعد الجديد الذي يفرض شروطه وينفذ أجندته بقوة السلاح في ظل دولة رخوة..
أو هو قبول بالوصاية تجنباً لمصير أسوأ كذلك الذي وقع للواء 310 مدرع في عمران..