السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٧ صباحاً

أحزابنا والشراكة..فاقد الشيء هل يعطيه؟!

د. عبدالله أبو الغيث
الاثنين ، ١٨ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
ربما لن تجد حزباً يمنياً لا تتحدث قيادته عن الشراكة الوطنية، ولكن هل حقاً تسعى أحزبنا لتكريس قيم الشراكة وتعمل على تحقيقها في الواقع العملي؟ أم أن طروحاتها عبارة عن فض مجالس ينطبق عليه المثل المصري "أسمع كلامك أصدقك أشوف عمايلك استعجب"!
وقبل الدخول للموضوع سنذكّر القارئ الكريم بحقيقة بدهية مفادها بأن من يدعو الناس لممارسة أي قيمة أخلاقية من غير أن يطبقها لن يصدقه الناس، وستعود دعوته وبالاً عليه، وسيتمنى لو أنه اكتفى بالسكوت.

فلا يحق مثلاً لكاذب أن يتحدث عن الصدق، ولا لخائن أن يتحدث عن الأمانة، ولا لبخيل أن يتحدث عن الكرم، وكذلك لا يجوز لإقصائي أن يتحدث عن الشراكة.

ولكن مع الأسف ذلك ما تقع فيه قيادات الأحزاب اليمنية وهي تدعو للشراكة، حيث تطلق دعواتها المتكررة للشراكة وهي لا تمارسها في الأطر التنظيمية لأحزابها! وذلك يجعلنا نتساءل باستغراب كيف يمكن أن نحقق الشراكة مع الآخر ونحن عاجزون عن تحقيقها مع من يشاركونا نفس الانتماء؟!

الشراكة الوطنية بمفهومها الواسع تعني القبول بالتعايش مع من يخالفونا الانتماء، بحيث نؤمن بأن الوطن لا يمكن له أن يسير في درب الأمان إلا بكل قواه المختلفة بمختلف انتماءاتها السياسية والجغرافية والمذهبية والفئوية.
وذلك يترتب عليه أن نؤمن بأن السلطة والثروة هي حق شرعي لكل اليمنيين ولا يجوز لطرف أن يحتكرها من دون الأطراف الأخرى، وذلك أمر لا يمكن له أن يتحقق إلا إذا كرسنا قيم الديمقراطية والحرية والتغيير والتداول السلمي للسلطة، وآمنا بالرأي والرأي الآخر، ورفضنا التوريث والتأبيد والتمديد.

ودعونا بعد ذلك نسأل هل بإمكان أحزابنا وقوانا السياسة القائمة أن تحقق الشراكة الوطنية مع الآخر؟ بينما هي عاجزة بل ورافضه عن تحقيقها في أطرها الداخلية!

قياداتنا الحزبية بكل ألوان طيفها؛ أو لنقل في معظمها إن أحسنا الظن باستثناءات قليلة ونادرة، تتعامل مع أحزابها وكأنها ميراث أتت به من بيت الوالد وتملك به بصائر غير قابلة للتغيير والتبديل والنقل.

فلا ديمقراطية حقة، ولا تداول للمناصب القيادية والوسطية، مع احتكار كامل لكل المصالح داخل الحزب وخارجه لقلة قليلة لا تتجاوز أصابع اليدين في كل حزب، فهي الحزب والحزب هي، وتمنع حتى مجرد كلمات النقد البسيطة حتى إن بدرت من أناس لا يرغبون في فتات المناصب بقدرما يبتغون الرقي بأحزابهم لتمثل النموذج والقدوة للآخرين.

وسأكتفي هنا من باب الاختصار بإيراد قصة حكاها لي بمرارة أحد الأصدقاء عن الضيق الذي صار يواجه به في الأطر التنظيمية في الحزب الذي ينتمي إليه، فقد أخبرني بأن ملاحظاته ودعواته للإصلاح والتطوير في الاجتماعات التنظيمية جعلت لوبي الفساد التنظيمي يروج من حوله قصص مضحكة ومبكية في الوقت ذاته، فأحياناً يصفونه بالمهووس أو المجنون، وتارة يصورنه بأن مجرد باحث عن المناصب – وكأنها من المحرمات على غيرهم – وتمثلت ثالثة الأثافي بتصويره أمام قيادات حزبه بأنه مجرد عميل أو مندس يخدم أطراف معادية.

قال لي والدموع تترقرق في عينيه: جعلني كل ذلك أحجم عن حضور الاجتماعات التنظيمية – هذا إن دعيت إليها – وأكتفي بالتعبير عن أرائي من خلال مقالات صحفية تنقد الشأن العام، ومع أني لم أخص حزبي بمقالات خاصة تفردهم بالنقد إلا أنهم ضاقوا بمقالاتي وسعوا لإيقافها.. ومازال الحديث لصديقي المذكور.

قال كنت أرسل مقالاتي لمواقع إخبارية متعددة الانتماء؛ بما فيها مواقع مقربة من قيادات الحزب الذي أنتمي إليه، وكانت تلك المواقع تنشرها بمجرد إرسالها، إلا أنه وبعد أن بدأ الآخرون يعرفون انتمائي التنظيمي فوجئت بأن كل المواقع المقربة من حزبي بدأت تتلكأ في نشر مقالاتي، حتى وصلت مؤخراً إلى الامتناع الكامل عن نشرها، وعندما استفسرت بعض محرري تلك المواقع فسروا الأمر بزحمة المقالات.. تصوروا.. هكذا علق صاحبي مندهشاً!

اختتم صاحبي قصته وهو يحكيها لي بإصراره على الاستمرار في الكتابة في إطار المواقع القليلة التي تتعامل مع الكلمة الصادقة من غير أن تبحث عن الانتماء، رغم أن (دعاة الشراكة مع الآخر في إطار حزبه) بدأوا بمحاولة الوقيعة بينه وبين هيئة تحرير المواقع القليلة التي مازالت تنشر له بقصص كاذبة لكونهم لا يمتلكون أمر توجيهها كما حدث مع المواقع الأخرى.

فضلت إغفال ذكر اسم صديقي صاحب القصة أعلاه فقط لأن قصته التي أوردناها كنموذج تتكرر بشكل أو بأخر في مختلف أحزبنا بطيفها المتعدد.. وقلك شراكة!!

أحبتي حققوا الشراكة أولاً داخل أحزابكم وساعتها فقط سيصدق الآخرون دعواتكم للشراكة، ولا تخدعوا أنفسكم ففاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه.. واللي ما يعرف الطب سيقول.