الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٤ مساءً

الشباب والحوار..خلل في اتجاه البوصلة!

د. عبدالله أبو الغيث
السبت ، ١٦ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
نصت المبادرة الخليجية على اعتبار الشباب طرفاً من الأطراف التي يجب أن تدعى إلى مؤتمر الحوار الوطني القادم إلى جانب القوى الأخرى غير الموقعة على المبادرة الخليجية مثل جماعات الحراك والحوثي، وهي الجهات التي ستوجِه إليها الأطراف الموقعة على المبادرة الدعوة للجلوس على مائدة الحوار لمناقشة القضايا الوطنية المطروحة على جدول المؤتمر.

وقد شكلت الحكومة لذلك الأمر لجنة من بين وزرائها للتواصل مع الشباب، الأمر الذي جعل لجنة التواصل الحوارية التي شكلها الأخ رئيس الجمهورية تكتفي بتشكيل فريق للتنسيق مع تلك اللجنة بدلاً من التواصل المباشر معهم.

ولن نكون مبالغين إذا ما قلنا بأن طرف الشباب يجب أن يكون هو الطرف الأهم الذي تتركز عليه العملية الحوارية برمتها، وذلك لأن المبادرة الخليجية التي نتج عنها رحيل الرئيس السابق صالح لم تتم إلا تحت ضغط الثورة الشعبية العارمة؛ التي هي بالدرجة الأولى ثورة شبابية بامتياز.

إلى جانب أن المهمة المناطة بالعملية الحوارية برمتها إنما تتمثل بإخراج الوطن اليمني من حافة الهاوية التي أوصلنا إليها النظام السابق، بحيث نتمكن من الخروج من الحوار برؤية لدولة مدنية حديثة تضمن للشعب اليمني أن يكون مستقبله زاهراً وآمنا.. والحديث عن المستقبل إنما يعني الحديث عن شباب اليمن بدرجة رئيسية.

لكن الملاحظ – من خلال جلوسي مع العديد من الاتجاهات الشبابية- غياب رؤيتهم للحوار كطرف رئيسي من أطرافه، فكثير منهم عندما يطرحون رؤاهم بخصوص مواضيع الحوار القادم تجدهم يركزون على المواضيع نفسها التي تتحدث عنها القوى السياسية الموقعة على المبادرة أو تلك الأخرى التي لم توقع عليها.

لذلك فأنت تجدهم يتسابقون للحديث عن شكل الدولة ونظام حكمها، واقتراح الحلول المناسبة للقضية الجنوبية ومشكلة صعدة، وغيرها من القضايا الأخرى، وذلك ما يجعلني أعترض عليهم، ليس لأني أقلل من أهمية تلك القضايا، ولكن لأن تلك القضايا لها جهات أخرى ستطرحها وتدافع عنها، ولن تسقط من مؤتمر الحوار إذا لم يطرحها الشباب.

ويدفعني ذلك لأن أقول لهم بأن المفترض أن تتركز طروحاتهم كشباب على المطالب التي تخص جيلهم – بمختلف أطيافهم السياسية- لكون تلك المطالب لن يطرحها غيرهم، وهم إنما تمت دعوتهم لمؤتمر الحوار من أجل طرح همومهم التي تؤرقهم وجعلتهم ينظرون للمستقبل من نافذة ضبابية وغائمة، وكانت سبباً لخروجهم للساحات العامة وتصدرهم لثورة اليمن الشعبية العارمة.

إذاً، المطلوب من الشباب أن يعملوا على تصحيح الأوضاع التي أرقت حاضرهم ومنعتهم من أخذ حقوقهم وبناء أحلامهم المشروعة.. بمعني أن تتركز رؤاهم المطروحة في مؤتمر الحوار -بدرجة أساسية- على تصحيح معايير التنافس فيما بينهم، لكونها قد ارتبطت بمعايير لا علاقة لها بمواهب الشباب وقدراتهم بقدر ارتباطها بانتماءات ضيقة، مثل الانتماءات السياسية والأمنية، وبعض الانتماءات الأخرى التي يجد الشاب نفسه في إطارها بالوراثة ولا يستطيع اختيارها أو تبديلها؛ كانتمائه المناطقي والقبلي والأسري.

وهذا همٌ يفترض أنه يؤرق الغالبية العظمى من شباب اليمن، ويجعلهم يطالبون بأن تصبح معايير التنافس والمفاضلة قائمة على أمور يمكنهم اختيارها واكتسابها، مثل الشهادة والخبرة والقدرة والكفاءة والنزاهة، ليكون هناك عدالة عندما نُحمّلهم نتائج فشلهم.

أيضاً على الشباب أن يركزوا على تشبيب المستقبل اليمني في قطاعاته المختلفة، فمن حقهم مثلاً المطالبة بتشريعات تجبر الأحزاب السياسية أن تحتوى قوائمها في الانتخابات البرلمانية والمحلية على نسبة يتم التوافق عليها تخصص للشباب دون سن الثلاثين أو حتى الأربعين، ولتكن الخطوة الأولى في تلك الأحزاب هي تسليم دوائر الشباب فيها لأناس من تلك الفئة، بدلاً عما هو حادث ألآن حيث يسيطر على تلك الدوائر في معظم الأحزاب أناس فوق سن الأربعين وأكثر. وكنت قد تناولت هذا الموضوع بصورة أكثر تفصيلاً في مقال سابق حمل عنوان: تثوير الأحزاب وتشبيبها.

يمكن للشباب أيضاً أن يطالبوا بالتشبيب السياسي للقيادات الرسمية والحزبية و والجماهيرية، والحديث عن تشبيب القيادات الرسمية والسياسية يعني تسليم تلك المواقع لأناس في الأربعينات والخمسينات من أعمارهم، بدلاً من القيادات الحالية التي هي في معظمها فوق سن الستين؛ وتجاوز كثير منهم سن السبعين. ولنا في الصين أسوة حسنة، حيث تضع سن للتقاعد السياسي، فالوزراء والقيادات التنفيذية العليا يتقاعدون في سن الخامسة والستين، بينما شاغلوا المناصب السياسية العليا يتقاعدون في سن السبعين. أما في اليمن والوطن العربي فلا يوجد شيء اسمه التقاعد السياسي، فمنهم من تجاوز الثمانين عاماً وربما التسعين؛ً ولا يملك حق إحالتهم للتقاعد إلا عزرائيل وحده.

ولن نستطيع الوصول إلى التشبيب الذي نطالب به إلا إذا كرسنا ثقافة التغيير في حياتنا العامة والخاصة، وهذا يجب أن يكون مطلب من مطالب الشاب في مؤتمر الحوار، بمعنى أن نضع مدد محددة للبقاء في هذا المنصب أو ذاك، سواءً في المناصب الرسمية والحزبية، أو في قيادات منظمات المجتمع المدني، التي يفترض فيها أنها أداة من أدوات التغيير، بينما تربعت عليها شخصيات جعلتنا – من طول بقائها على رأس تلك المنظمات- ننسى مسميات تلك المنظمات، وصرنا نطلق عليها مسميات رؤسائها الدائمين، ويكفي كأمثلة سريعة لذلك الإشارة إلى منظمة هود ومنظمة الشقائق وصحفيات بلا قيود والمرصد اليمني، وغيرها من المنظمات التي لا يتسع حيز المقال لذكرها.

ونحن هنا لسنا في موضع تقييم القيادات المخلدة على رأس الهيئات الرسمية والحزبية والجماهرية ومستوى أداءها، ففيهم الصالح والطالح، لكننا نتحدث عن ثقافة التغيير كسمة مميزة للمجتمعات الديمقراطية، مهمتها أن تعمل على تجديد دماء مؤسساتنا العامة والخاصة ومنعها من الترهل، وكذلك الحد من ثقافة الشخصنة والتوريث والتأبيد التي تعد عدواً أسياسياً يقف حائلاً أمام الشباب ويمنعهم من تحقيق أحلامهم وطموحاتهم المشروعة.

لكننا ننبه بأن تلك الطموحات الشبابية يجب أن تأخذ بعدها الزمني المطلوب، عن طريق التدرج في المواقع المختلفة من الأدنى إلى الأعلى، لأننا بتنا نرى أن كثيراً من الشباب يريدون الوصول إلى المواقع التي يحلمون بها بتبنيهم لسياسة حرق المراحل، وهي سياسة أذاها أكثر من نفعها، إلى جانب كونها تسيء للشباب وتصورهم بالجشع في الترقي بدون خبرات تؤهلهم لذلك، وهو ما يساعد على تقديم الأعذار للقيادات المعتقة لتشويههم، واستخدام ذلك من أجل استبعادهم ومنعهم من أخذ مواقعهم الطبيعية في الهرم القيادي للدولة بمختلف قطاعاته.

خلاصة القول: على الشباب أن يركزوا في مؤتمر الحوار القادم على أن يكون ممثليهم في ذلك المؤتمر ممثلين لهم وليس ممثلين بهم أو عليهم، وأن يركزوا على القضايا التي تخص جيلهم، وتقديمهم لرؤى متعقلة تصبوا إلى تحقيق مستقبل زاهر وآمن، بعيداً عن العواطف المتهورة.. وخير الأمور الوسط الوسيط من غير إفراط ولا تفريط؛ بمعنى لا خنوع واستكانة، ولا غرور وشطحات غير واعية، ولكن طموح مدروس تدعمه المؤهلات والخبرات والقدرات، وما ضاع حق وراءه مطالب.