الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥١ مساءً

تفاعلات المشهد اليمني بين النموذجين التونسي والمصري

د. عبدالله أبو الغيث
الجمعة ، ١٤ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٥:٤٥ مساءً
تمخضت ثورات الربيع العربي عن نموذجين بارزين في الساحة العربية، هما النموذج المصري والنموذج التونسي:
النموذج المصري تمثل برفض نتائج المسار الديمقراطي، ودفع الشعب المصري صوب انقسام مجتمعي صارخ؛ وصل إلى درجة الحديث عن شعبين، وصدور فتاوي تدعو إلى انهاء حتى العلاقات الزوجية بين أفراد المجتمع بناء على مواقفهم السياسية!

ولم يعد بخافٍ أن من دفعوا مصر صوب هذا الخيار الإقصائي الاستئصالي العنيف كانوا يعتقدون أن الأمر سيكون مجرد نزهة لن تستغرق أكثر من أسبوع ستعود بعدها الأمور للهدوء والاستقرار، خصوصاً أن مكونات الدولة العميقة تقف في صف هذا الخيار (الجيش، الشرطة، القضاء، الإعلام....الخ)، لكن النتيجة كانت غير ما توقعوا، وباتت الدولة المصرية على أبواب انهيار اقتصادي وأمني مروع.

ولولا تدخل الأموال الخليجية لكان ذلك قد تم بعيد الإطاحة بالرئيس مرسي مباشرة، مع التسليم بأن ذلك الدعم المالي لا يتم بدون مقابل، حيث صارت دولة بحجم مصر عمرها سبعة ألاف سنة تدار من قبل إمارات خليجية قزمية لم يكن أحد يعلم عنها قبل بضع عقود من السنين.
بينما سار النموذج التونسي في الاتجاه المعاكس، حيث استطاع التونسيون بمختلف ألوان طيفهم – بعد مرحلة أخذ ورد - التوافق على السير ببلدهم صوب مستقبل يزدان بقيم التعايش والتسامح، وتمكنوا بوعيهم من إفشال خطط الأطراف الخارجية الإقليمية منها والدولية التي كانت ترغب بتكرار التجربة المصرية في تونس.

إلى جانب وعي القوى السياسية التونسية (الإسلامية واليسارية والعلمانية) كان هناك عوامل أخرى ساعدت على إفشال تلك المؤامرات الخارجية في تونس، تمثل أبرزها بحياد الجيش التونسي وابتعاد قادته عن التدخل في الشؤون السياسية (عله الجيش العربي الوحيد الذي يتميز بتلك الصفة)، إلى جانب قوة منظمات المجتمع المدني وحيادها، وعدم خضوعها لأطراف سياسية سواء كانت رسمية أو حزبية، وهو ما مكنها من أن تصبح وسيطاً موثوقاً بين الأطراف السياسية المتنازعة، ولم يضطر التوانسة للاستعانة بوسيط خارجي كما يحدث لدى غيرهم من الأقطار العربية.

وبالنسبة لليمن يتضح لنا بأنها ربما تفتقد لعوامل النجاح التونسية، حيث ينغمس قادة جيشها في السياسة ويفتقدون للحياد، وكذلك افتقار الساحة اليمنية لمنظمات مجتمعية قوية ومحايدة. ومع ذلك نستطيع القول أن اليمن في الوقت نفسه تبتعد عن ظروف النموذج المصري في كثير من الأمور:

فالجيش اليمني رغم تسيس قادته إلا أنه كذلك يعاني من انقسام ولاءاته بين أكثر من طرف، بعكس الجيش المصري الذي تهيمن عليه قيادة موحده، وكذلك منظمات المجتمع المدني في اليمن، فهي رغم ضعفها وعدم حيادها إلا أنها تتميز بالتنوع والتعدد، وذلك يجعلها تبتعد عن مثيلاتها في مصر التي أصبحت مجرد دمى في يد سلطة العسكر.

إلى جانب ذلك نجد أن الشعب اليمني يتميز بالحيوية والانغماس في الحياة السياسية، ربما أكثر من أي شعب عربي آخر، وذلك يجعله يعدد مصادره التي يستقي منها معلوماته، بينما تشيع في مصر مقولة تكاد تكون من المسلمات، بأن من يسيطر على وسائل الإعلام الرسمية هو من يمتلك زمام الشعب المصري، لكونه يستقي معلوماته – في معظم الأحيان- من إعلامه الرسمي.

وبعد هذا وذاك نجد أن الفروقات المجتمعية في اليمن تقل كثيراً بين ما هو إسلامي وغير إسلامي، سواء من حيث السلوكيات أو العادات أو مفاهيم الحياة، فالمجتمع اليمني يخلو من وجود أقليات غير إسلامية كبيرة كمصر، ويتميز بطبعه بالتدين، وتكاد مثلاً لا تستطيع التفريق بين النساء اليمنيات من خلال ملابسهن، حيث ترتدي زوجة اللبرالي واليساري نفس الملابس التي ترتديها زوجة الإسلامي.

وتتميز التجربة السياسية اليمنية عن النموذجين المصري والتونسي بوجود رئيس يحظى بثقة الأطراف المختلفة –على تفاوت فيما بينها – وكذلك حكومة توافقية تمثل أكثر الأطراف السياسية الموجودة على الساحة اليمنية؛ ويمكنها أن تستوعب بقية الأطراف في تعديل وزاري مرتقب، مع وجود مخرجات حوار وقعت عليها ألوان الطيف السياسي اليمني؛ صارت في طريقها للتطبيق في الواقع العملي، إلى جانب عدم انفراد الإسلامين بالهيمنة على أصوات الناخبين كما هو الحال في مصر مثلاً، وقدرة كثير من التيارات السياسية غير الإسلامية في اليمن على المنافسة في الانتخابات العامة.

وقبل كل ذلك ومعه وجود تجربة اللقاء المشترك اليمنية التي سبقت تكون التوافق التونسي الأخير، ويمكنها مع بعض التطوير أن تستوعب القوى السياسية التي ليست فيه وتتحول إلى كتلة تاريخية تقود الدولة اليمنية إلى بر الأمان، خصوصاً أن اللقاء المشترك قد اشتمل على كل ألوان الطيف السياسي والفقهي في البلد، واستطاع أن ينجح في المهمة التي تأسس لأجلها، وهو فقط بحاجة أن يتجه بتحالفه صوب هدفه الاستراتيجي الجديد المشار اليه.

ما سبق يجعلنا نقول بأن اليمن تعتبر أقرب من الولوج إلى النموذج التونسي أكثر من قربها للانزلاق صوب النموذج المصري، خصوصاً والشعب اليمني مشهود له بالحكمة عبر تاريخه الطويل.

نعم، القوى الإقليمية والدولية تقف متربصة باليمن، وعلى استعداد أن تدفع مليارات الدولارات لتنفيذ مخططات استحواذها على اليمن أكثر بكثير من تلك التي تدفعها مساعدات لخزينة الدولة، لكننا نعلم أن تلك القوى تدرك صعوبة تعميمها للنموذج المصري في اليمن، نظراً لانقسام المؤسسات الرسمية والعسكرية والأمنية والسياسية اليمنية على نفسها، مع وجود شعب مسلح بمختلف الأسلحة، وهو ما يجعل مخاطر الدفع بالنموذج المصري تصل ربما إلى انهيار الدولة اليمنية برمتها، وهو ما لا تريده تلك القوى، ليس حباً باليمن واليمنيين، ولكن خوفاً من عواقبه الكارثية التي ستعود عليها.

خلاصة القول: النموذج التوافقي بين جميع ألوان الطيف السياسي اليمني دون استثناء سيكون هو النموذج القابل للحياة، وسيكون من الأفيد للقوى السياسية الداعية للتطرف والإقصاء لو أنها صغت لصوت العقل، وألجمت جماح عواطفها الأنانية والمتشنجة، واتجهت صوب التكاتف مع مختلف القوى السياسية الأخرى من أجل صناعة نموذج يمني مضمونه التعايش والتسامح.

أما القوى الخارجية (الإقليمية منها بوجه خاص) فسيكون من الأفضل والأنفع لها ولليمن لو أنها تفهمت ظروف الواقع اليمني، وقللت من عنجهيتها، وواصلت دعمهما للعملية التوافقية (المبادر الخليجية) وركزت على دعم الدولة اليمنية الهشة المهدد بالسقوط .. فذاك أفضل لهم لو كانوا يعقلون.