الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:١٠ مساءً

التعايش الحوثي الإصلاحي.. فن الممكن

د. عبدالله أبو الغيث
الأحد ، ٠٩ فبراير ٢٠١٤ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
تشهد الساحة اليمنية هذه الأيام شحن متزايد بين جماعة الحوثي وحزب الإصلاح، ورغم أن العلاقات بين الطرفين ظلت متوترة في معظم أوقاتها إلا أنها في اللحظة الراهنة استعر أوارها أكثر ليصل إلى مرحلة بات السكوت عنها يهدد حاضر الدولة اليمنية ومستقبلها المنظور.
ومع التسليم بأن بعض الاختلافات بين الجانبين تأخذ بعداً فكرياً ومذهبياً إلا أن التأجيج الفعلي لها يرتبط إلى حد كبير بالطموحات السياسية لكليهما.

لكن أخطر ما في القضية يتمثل باستغلال قوى محلية وإقليمية ودولية لذلك التباين، حيث سخرت تلك القوى إمكاناتها الكبيرة للدفع بذلك الخلاف صوب مرحلة من الصراع العنيف، رغبة في تصفية حسابات قديمة وجديدة مع أحد طرفيه أو كليهما.

الطرف المحلي بات معروفاً للجميع، وهو إلى جانب خصوماته مع الحوثيين (حروب صعدة) ومع الإصلاحيين (الثورة الشعبية) بات ينظر بأن الحوثي والإصلاح ربما يشكلان خطراً أكثر من غيرهما على عودته للتربع على عرش الدولة اليمنية مستفيداً من الأوضاع الإقليمية التي نتجت عن تطور الأحداث في مصر وغيرها من دول الربيع العربي، وبالتالي فالحل يكمن بأن (ينزل الطرفين رماد).

الطرف الإقليمي يكسب أكثر من ورقة باشتعال أوار الصراع الحوثي الإصلاحي، فذلك الصراع يشغل الدولة اليمنية ويجعلها عاجزة عن تحقيق الطموحات المتزايدة لليمنيين في بناء دولة مستقرة وآمنة ومزدهرة، ويجعل الدولة اليمنية تظل في المربع الفاصل بين الدولة واللادولة الذي يحبذه ذلك الطرف لليمن.

إلى جانب أنه يمكن قوى ذلك الطرف بالتخلص من خصمين لدودين بضربة واحدة، لكون أحدهما تعتبرها امتداً لخصمها العنيد إيران، والآخر امتداداً لحركة الإخوان المسلمين في مصر والمنطقة العربية بعد أن ضمتها لقائمة أعدائها ورأت فيها خصماً سياسياً وفكرياً يهددها، وبالتالي فالحل في إشغالهما بصراع مرير يريحها من عناء مواجهتهما، ولسان حالها يردد (كلب ينهش كلب).

الطرف الدولي كل ما يهمه هو الحفاظ على مصالحه في اليمن والمنطقة، فالمصلحة هي دينه الذي يعتنقه وإلهه الذي يعبده، وبالتالي فهو ينظر للمشروعين السياسيين للإصلاح والحوثي بعين الريبة والحذر، ويرى فيهما أطرافاً عقائدية قد لا تستطيع تلبية رغباته وضمان مصالحه في حال صار أي منهما حاكم لليمن، مستفيداً من تجارب مشابهة في دول أخرى (إيران ومصر)، وذلك يجعله يتبنى دعم مشاريع سياسية ترتبط بأشخاص أكثر من ارتباطها بفكرة أو أيديولوجيا.

أجزم بأن قادة تجمع الإصلاح وجماعة أنصار الله يدركون كل ذلك ولا يخفى عليهم، ولكن....هل سيتصرفان كطرفين سياسيين ناضجين ويعيان بأن تأجيج الصراع بينهما يهدد وجودهما معاً ومعهما الوطن اليمني برمته؟ أم سيتصرفان (أحدهما أو كلاهما) كطفلين صغيرين طائشين يؤججان صراعهما كلما علت صيحات التشجيع والتصفيق من حولهما، رغم إدراكهما بأن المصفقين المتحلقين حولهما إنما يمارسون السخرية من كليهما ولا يقصدون إبداً الإعجاب بعضلاتهما.

الرئيس هادي بدوره هل يدرك الهاوية السحيقة التي يراد للوطن الذي يرأسه أن يتردى فيها، وذلك بإثارة الصراعات والحروب في ربوعه؛ وعلى رأسها تفجير الصراع بين الحوثي والإصلاح، على اعتبار أن الطرفين يمتلكان القدرة على الحشد والصمود لفترات طويلة من الصراع، وبالتالي فإن مهمة الرئيس الوطنية إنما تتمثل بإطفاء ذلك الصراع، وعدم تأجيجه أو السكوت عليه، لأن فوائد الخيار الأول ستكون من غير شك هي الأنفع له كرئيس جاء في لحظة فارقة من الزمن اليمني ولليمن كوطن جريح.. حتى ولو نصحه بعض الخبثاء بغير ذلك.

القوى الوطنية في الساحة اليمنية وعلى رأسها الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري هل ستنظر للأمور من زاوية مصلحية ضيقة وتكتفي بالفرجة رافعة شعار (مصائب قوم عند قوم فوائد)؟ أم ستنظر للموضوع من زاوية وطنية ناضجة، وتستغل علاقتها الجيدة بالطرفين وتعمل على الدفع بالأمور صوب بناء كتلة تاريخية يمنية تستوعب كل أطراف اللعبة السياسية في اليمن؟

خلاصة القول: قد لا يكون بمقدور الإصلاحيين الحشد العسكري كالحوثيين، وقد لا يكون بمقدور الحوثيين حشد انصارهم في الساحات والمسيرات بنفس العدد الذي يخرجه الإصلاحيون، لكن الحقيقة المؤكدة بأن أي منهما بات غير قادر على إقصاء الطرف الآخر أو حتى تهميشه، إذاً بدلاً من ضياع جهودهما في التحريض المتبادل، لماذا لا يتجهان – ومعهما كل القوى الأخرى على الساحة اليمنية – صوب بناء مرحلة جديدة من التعايش.. والوطن يتسع للجميع.

قد يقول قائل كيف ذلك، وأنا أقول هنا لتكن البداية من البند السادس لاتفاقية الصلح بين الجانبين في أرحب، وسأكتفي هنا بإيراده داعياً الجميع لتأمله والعمل على جعله حقيقة معاشة نراها تسير في واقع الشعب اليمني:

" يؤكد الطرفان على فتح صفحة جديدة من الإخاء والتسامح والقبول بالآخر، وحقه المشروع في الحرية الفكرية والثقافية، ونبذ العنف واللجوء للسلاح، وإيقاف التحريض بكافة أشكاله ووسائله، وحل أي إشكالات قد تظهر مستقبلاً عبر الحوار والتفاهمات الأخوية وتغليب قيم الإخاء ".

في الختام سيكون من الأفضل لو تمعن الطرفان ومعهما كل القوى السياسية على الساحة اليمنية في دعوة التسامح التي اشتمل عليها هذا المقال، بدلاً من الانشغال بتحليل أهداف صاحبها وغرضه منها كما جرت عادتنا في هذا الوطن مع الأسف الشديد ، خذها مني.. فقد تعلمت من تاريخ اليمن وأنا أدرسه لطلابي في الجامعة بأن من رفعوا شعار الإقصاء لفظتهم اليمن إلى مزبلة التاريخ، بينما دونت من كرسوا قيم المحبة والتسامح والإخاء في أنصح صفحات تاريخها.

كلمة أخيرة: يوم الثلاثاء القادم سيصادف الذكرى الثالثة لثورة 11 فبراير الشعبية، كم سيكون جميلاً لو جعلنا منه يوماً للتكاتف الوطني بدلاً من الحشود الأنانية لهذا الطرف أو ذاك التي تدعي امتلاك الثورة والوطن، وصار من المضحك ونحن نرى أصحاب كل طرف يتصرفون وكأن الثورة حقهم وحدهم خرجوها من تحت المخدة في غرفة نومهم! وأنهم لن يأمنوا على اليمن الا إذا كانت في جيوبهم.. دعونا نعلنها ثورة من أجل تكريس قيم الحب بين أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره الذي مل الصراع، خصوصاً أن الجمعة القادمة تصادف عيد الحب.

(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)