الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٩ مساءً

الشتات بين أقاليم هادي وياسين وفيدرالية بنعمر الفريدة

د. عبدالله أبو الغيث
الأحد ، ٢٩ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ١٠:٢٠ صباحاً
بعد أن وصلت المكونات اليمنية المتحاورة في فندق موفمبيك إلى طريق شبه مسدود بخصوص تحديد شكل الدولة اليمنية القادمة لجأت كعادتها لمندوب ألمنظمة الأممية في اليمن جمال بنعمر، الذي بدوره خرج لنا برؤية ترسم ملامح النظام الاتحادي في اليمن الجديد وأقاليمه الفيدرالية بولاياتها المتفرعة عنها.

وكان طبيعياً أن تثير الرؤية العديد من الآراء المتباينة بخصوصها، ذلك أنها هدفت للتوفيق بين أطراف مختلفة لكل منها رؤيته حول موضوع الفيدرالية والأقاليم، بمعنى أن كل طرف سيجد في تلك الرؤية ما يقبله وما يرفضه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما تراه أنت إيجابيا قد يراه غيرك سلبيا والعكس صحيح.

ومن هذا المنطلق سيكون حديثنا عن رؤية بنعمر لفدرلة اليمن وأقلمتها، وهي لن تشمل قراءة مكتملة لكل الرؤية لكننا سنركز على ما نراه نحن على أنها هفوات وقعت فيها الرؤية؛ بأمل مراجعتها في إطار المراجعة الشاملة التي من المتوقع أن تخضع لها الرؤية بعد الاعتراضات العديدة عليها؛ أو حتى عند أسقاط بنودها في مواد الدستور الجديد.

ملاحظاتنا هنا ستتركز بدرجة أساسية على ما ورد في الرؤية عن طريقة توزيع الثروات في إطار المستويات الفيدرالية الثلاثة التي تحدثت عنها الرؤية، وكذلك ما نراه من اختلالات في حقوق المواطنة المتساوية اشتملت عليها الرؤية، وأخيراً ما ورد في الرؤية بخصوص كيفية تحديد الأقاليم:
أولاً: توزيع الثروات:

تحدثت الرؤية عن مستويات ثلاثة للفدرالية اليمنية القادمة هي: المستوى الوطني الاتحادي، المستوى الإقليمي (الأقاليم)، المستوى المحلي (الولايات)، وكان لافتاً أن الرؤية في البند رقم (8) في المبادئ التي وردت فيها اعطت حق إدارة الموارد الطبيعية وتنميتها، بما فيها النفط والغاز، ومنح عقود الاستكشاف والتطوير لسلطات الولايات (المستوى الثالث للفيدرالية)، وذلك ما لم نسمع به في الفيدراليات المعروفة حسب ما نملك من معلومات.

فما نعرفه أن حق إدارة الثروات الطبيعية بما فيها النفط والغاز تتراوح حقوق إدارته بين المستويين الفدراليين الأول والثاني، حيث تمنحه بعض الفيدراليات للحكومة الاتحادية كما هو الحال في الهند وفنزويلا، بينما تمنحه بعضها للمستوى الفيدرالي الثاني (حكومات الأقاليم) كما هو الحال في كندا، أما أن يمنح للمستوى الفيدرالي الثالث فتلك أحسبها ستكون بدعة يمنية؛ ربما تجعل العالم يتحدث من حولنا متعجباً عن فيدرالية يمنية من طراز جديد!

وبما أن فيدرالية بنعمر تعتبر أن المحافظات الحالية ستمثل ولايات في الأقاليم الفيدرالية المقترحة دعونا نتساءل عن القدرات والإمكانات التي تتوفر مثلاً لمحافظة مثل مأرب أو الجوف لتمكنها من التفاوض مع شركات بترولية عالمية عملاقة –تلعب بالبيضة والحجر كما يقول المثل – لمنحها حقوق الاستكشاف في أراضيها. ثم ألا يتعارض ذلك مع النظام الفيدرالي نفسه الذي عادة ما يجعل العلاقات الخارجية والتجارة الدولية من اختصاص السلطات الاتحادية.

قد يقول قائل إن البند نفسه نص على أن تمارس الولايات ذلك الحق بالتنسيق مع الأقاليم التي تنتمي إليها والسلطة الاتحادية للدولة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا لا يتم العكس، أي أن يعطى ذلك الحق للحكومة الاتحادية وهي الأقدر على التفاوض مع تلك الشركات الدولية، ويتم ذلك بالتنسيق مع حكومات الأقاليم والولايات المعنية، مع ضمان حق الولايات في أن يكون لسكانها أوليات العمل في في مشاريع التنقيب التي تتم في أراضيها، وحصولها على نصيب عادل من تلك الموارد.

أخيراً: دعوني أختتم الحديث في هذه الفقرة عن شكوك تساورني بأن هذا النص إنما وضع خدمة لقوى إقليمية ودولية تريد أن تظل عملية استكشاف اليمن لثرواتها الطبيعية والنفطية والغازية أسيرة لها، بحيث تتمكن بذلك من الاستحواذ عليها أو تعطيلها في أحسن الافتراضات، عن طريق إثارة حكومات تلك الولايات ضد السلطة الاتحادية كما يحدث الآن في بعض المحافظات.

ثانياً: المواطنة المتساوية:
لعل في القراءة التي قدمها المحامي عبدالله نعمان القدسي ممثل التنظيم الناصري في فريق القضية الجنوبية بهذا الخصوص ما يكفي للفت نظر القوى الوطنية في اليمن للمخاطر والألغام التي احتوت عليه وثيقة بنعمر في مجال حقوق المواطنة المتساوية.
ويتمثل ذلك بسكوتها الغريب عن ممارسة المواطن اليمني لحقوقه السياسية بما فيها حق الترشح والانتخاب وتولي المناصب السياسية والإدارية في أي إقليم أو ولاية يقيم فيها بغض النظر عن الإقليم أو الولاية التي أتى منها إن توفرت فيه الكفاءة والشروط القانونية المعلنة، وذلك ما يحدث في كل الأنظمة الفيدرالية المعروفة عالمياً، ويكفي لمعرفة ذلك أن تحرك مؤشر البحث في جوجل لمعرفة كيفية حدوث ذلك في أمريكا والهند على سبيل المثال.

ويفترض أن يتم تحديد دقيق لشروط اكتساب المواطن اليمني لممارسة تلك الحقوق في أي ولاية يمنية، بعيداً عما نسمعه من طروحات عجيبة لدى البعض؛ مثل قولهم بضرورة أن يمر على أي مواطن في الولاية التي يقيم فيها لاكتساب حقوقه في المواطنة نصف قرن من السنيين (ربما يقصدون أن يمارس تلك الحقوق بعد انتقاله إلى العالم الآخر) متناسين أن إقامة أي شخص أجنبي في أمريكا مثلاً لمدة خمس سنوات تعطيه الحق في الحصول على الجنسية الأمريكية ومعها كل الحقوق السياسية، ذلك المواطن الأجنبي أما الأمريكي فهو يكتسب تلك الحقوق في أي ولاية يقيم فيها بمجرد انتقاله إليها.
ويدخل في اختلالات المواطنة المتساوية أيضاً شروط المناصفة في المناصب والوظائف بين الجنوبيين والشماليين في المستوى المركزي، وإذا كان يمكننا تفهم ذلك فيما يخص الهياكل القيادية في الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية والبرلمانية، لكن انتقال المناصفة والمساواة إلى الهياكل الوظيفية الدنيا في الخدمة المدنية والقوات المسلحة والأمن نحسب أنه يشكل ضربة للمواطنة المتساوية التي تجعل ربع السكان يحصلون على حق يساوي ثلاثة أرباع غيرهم، وكان يكفي أن يقال بأن هذه الوظائف توزع بطريقة تضمن إلغاء التمييز وتكافؤ الفرص لجميع اليمنيين، مع احترام التعيينات لمتطلبات الخدمة المدنية المتعلقة بالمهارات والمؤهلات، فمن يشكو من الظلم عليه ألا يتحرر من ظلمه بظلم غيره.

أما الحديث عن المناصفة في الجيش فذلك أمر لم نستطع استيعابه، لأن المؤسسة الدفاعية تعد في الأنظمة الفيدرالية من المهام الحصرية على الحكومة الاتحادية، ما يعني أن الجيش يجب أن يؤسس وفق معايير وطنية ومهنية بعيداً عن الانتماء المناطقي للأفراد، وإذا كان الجيش اليمني الحالي يعاني من اختلالات تشوه بنيته الوطنية فالحل إنما يكمن في علاجها وتصحيحها وليس بتقنينها وتكريسها كأمر واقع.

ويفهم الجميع بأن المهام القتالية للجيش تمتد بامتداد التراب الوطني للدولة وحدودها البرية والبحرية والجوية، وما معسكراتها في هذه المحافظة أو تلك إلا ثكنات للتدريب ليس إلا، ولذلك كان غريباً أن نسمع من يتحدث أثناء الهبة الحضرمية عن تسليم معسكرات الجيش في حضرموت للحضارمة، وبمثل ذلك ستطالب المحافظات الأخرى، الأمر الذي سيجعلنا نتحدث عن دول مستقلة ونظام كنفيدرالي، وليس عن فيدرالية حسب النظام الفيدرالي المعروف عالمياً.

ثالثاً: الأقاليم والولايات:
خلطت رؤية بن عمر بن نظاميين لتحديد عدد الأقاليم، ففي الوقت الذي تحدثت فيه عن لجنة يشكلها رئيس الجمهورية لتحديد عدد الأقاليم، قدمت لنا رؤية مرحلية لتشكيل الأقاليم من المحافظات الحالية تمر عبر انتخاب مجالس محلية منتخبة شديدة التعقيد.

ونحن هنا نميل لتأييد الخيار التوافقي لتحديد عدد الأقاليم بدلاً عن الآلية المرحلية، ذلك أن الآلية المعقدة عبر مجالس منتخبة في المحافظات نحسب أنها ستدخل البلد في دورة جديدة من العنف لم يعد بالإمكان تحملها، حيث سيسعى كل طرف بالسيطرة على تلك المجالس بكل الطرق؛ بما فيها التزوير وممارسة العنف ضد الخصوم المنافسين قبل الانتخابات، وكذلك أعمال التهديد والوعيد والتصفيات التي يحتمل أن يتعرض لها أعضاء المجالس المنتخبة لحملهم للتصويت مع هذا لخيار أو ذاك، خصوصاً أن البلد صارت تعيش دورة واضحة من العنف يصبح الحديث معها عن الأنظمة والقوانين نوع من العبث.

وذلك يجعلنا نميل لترجيح خيار التوافق على لجنة من المختصين وليس من أرباب السياسية تحدد عد الأقاليم مقدماً وكيفية تقسيم ولاياتها، ورغم ميلي العاطفي شخصياً للخيار الذي قدمه التنظيم الناصري لتقسيم اليمن إلى ولايات تعتمد على المحافظات التي كانت قائمة في الشطرين قبل الوحدة، وقناعتي الكاملة أن ذلك يمثل مخرجاً حقيقياً للأزمة اليمنية إن ابتعدنا عن التسييس والسياسة وألاعيبها. لكن الواقع الذي تعيشه المحافظات الجنوبية والدعوات المتشنجة المطالبة بالانفصال تجعلنا نقول بأن نظام الأقاليم قد يكون هو من يمتلك الصوت الأعلى وهو من سينفذ على الأرض في نهاية المطاف.

وصارت رؤية الأقلمة تنحصر بين خياريين رئيسيين هما: خيار الإقليمين الذي يتبناه الاشتراكي والحراك والحوثي وغيرهم وهو ما عبرنا عنه في العنوان بخيار ياسين سعيد نعمان، وخيار الستة الأقاليم الذي يتبناه رئيس الجمهورية والمؤتمر والإصلاح وغيرهم وهو ما عبرنا عنه في العنوان بخيار الرئيس عبدربه هادي.

وكنت في دراسات سابقة أعددتها ومقالات كتبتها قد عبرت عن ميلي لخيار الأقاليم المتعددة، لاعتقادي بأن خيار الإقليمين سيمثل مرحلة انتقالية للانفصال، ورغم أن قناعتي تلك ما زالت قائمة إلا أني قد أضفت إليها قناعة أخرى هنا بأن خيار الأقاليم المتعددة هو أيضاً ليس بعيد عن تفكك الدولة اليمنية إلى دويلات متعددة، حيث تتربص القوى الخارجية بمناطق الثروة اليمنية قليلة السكان، وذلك قد يعني بأن الإقليميين الشرقيين: شرق الجنوب (حضرموت وما جاورها)، وشرق الشمال (مأرب والجوف وما جاورها) ستقع في مرمى التحريض الخارجي لانفصالها عن الأراضي اليمنية، وترك الأكثرية السكانية في مناطق الجبال من صعدة إلى تعز تدخل في دورة جديدة من الصراع حسب تعبير لرئيس المشترك حسن زيد.

وذلك قد يجعلني أضم صوتي بشكل اضطراري لخيار الإقليميين كمرحلة انتقالية، تهدأ خلالها النفوس ويستعيد أبناء الجنوب عبرها قناعاتهم التاريخية بعيداً عن التشنجات العاطفية الحالية التي تتجاذبهم، ومن ثم يبدأ الحديث عن تقسيمات إدارية للدولة اليمنية الاتحادية تنبني على خيارات مستقبلية زاهرة وآمنة ستكون الفترة الانتقالية قد مكنت المواطن اليمني من تحسسها وإدراك مزاياها.

ونحن عندما نتحدث هنا عن تأييد خيار الإقليمين كمرحلة انتقالية نرى أنه من غير المناسب حديث الاشتراكي الآن عن تقسيم كل إقليم إلى أربع ولايات كبرى، لأن ذلك يجب أن يرتبط بالخيار الدائم للتقسيم الذي سنصل إليه بعد المرحلة الانتقالية المقترحة، إلى جانب أن ذلك الطرح سيجعلنا نخوض في دوامة كبيرة حول تحديد الحدود بين تلك الولايات وهو ما سيوقعنا في نفس المحاذير التي من أجلها فضلنا استبعاد خيار الأقاليم المتعددة في المرحلة الراهنة.

ولذلك فإن الخيار الأنسب سيتمثل في تحويل المحافظات الحالية أو محافظات ما قبل الوحدة إلى ولايات داخل كل إقليم، وذلك قد يمثل توفيقاً بين خيار الإقليمين وخيار الولايات الذي يتحدث عنه الناصري، إلى جانب أنه سيجنبنا مؤقتاً الخوض في صراع متوقع حول تحديد الحدود بين الأقاليم وولاياتها.


أخيراً:
يلاحظ أن كل الأطراف المتحاورة في موفمبيك تتحدث عن حب الوطن، وأنها فقط في كل طروحاتها ومطالبها تريد المصلحة العليا للوطن، والسؤال المطروح: إذا كنا جميعاً نحب الوطن ونعمل من أجله فعلى ماذا إذاً نختلف؟ وذلك سؤال يقوم على أساس أن حب الوطن لا يعني أبداً امتلاكه من قبل طرف دون بقية الأطراف والاستحواذ على مقدراته.

ويعرف الجميع بأن المشاكل التي يعاني منها الوطن اليمني – بما في ذلك القضية الجنوبية وقضية صعدة – لم تنشأ أبداً بسبب شكل الدولة ونظام حكمها، لكنها نشأت بسبب الفساد والاستبداد، وغياب قيم العدالة والمواطنة المتساوية والعبث في توزيع الثروة والسلطة، وحل تلك القضايا هو الذي سيجعلنا نصل إلى بناء وطن آمن مزدهر وموحد، وعدم حلها إنما سيجعلنا نستعد لدورة جديدة من الصراع والتشظي حتى إن تم الاتفاق فيما بيننا بإشراف دولي، لأن الجائع والمظلوم عندما لا يجد من ينصفه يتصرف عادة على غير هدى.