السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٦ صباحاً

استقلال الجنوب والهوية اليمنية

د. عبدالله أبو الغيث
الأحد ، ٠١ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
يحتفل أبناء الشعب اليمني هذه الأيام بالذكرى السادسة والأربعين لعيد الاستقلال المجيد الذي تحقق في 30 نوفمبر 67م، بما مثله من حدث هام في التاريخ اليمني الخالد، حيث كان للكفاح الثوري المسلح الذى خاضه أبناء اليمن ضد المستعمر الإنجليزي الذي توج بالاستقلال دور كبير في إعادة الألق للهوية اليمنية التي حاول المستعمر وأذنابه طمسها.

فمنذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة من على قمم جبال ردفان يوم 14 أكتوبر 63م تعامل الثوار مع حقائق الجغرافيا والتاريخ المتجذرة وجعلوا انطلاقتهم تلك تنبني على أسس وطنية تتعامل مع الجنوب باعتباره كتلة جغرافية وسياسية واحدة في إطار وحدة جغرافية وسياسية أكبر اسمها اليمن.

ولذلك فإن الجبهات التي تبنت الكفاح المسلح لطرد المستعمر قد حددت من يوم تأسيسها بأنها ستعمل لتحرير الجنوب باعتباره جزء من الوطن اليمني الواحد، وكان على رأسها جبهة تحرير الجنوب اليمني والجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، حيث تجاوز الثوار بذلك الكيانات السلاطينية العديدة التي كانت تعد نفسها دولاً، وتعاملوا معها على أنها مجرد كيانات اجتماعية في إطار منظومة وطنية واحدة.
وساعد الثوار على ذلك إحساس المواطنون في عموم الجنوب اليمني بالهوية الجامعة التي تضمهم، إلى جانب معاناتهم من الحكم الأنجلوسلاطيني التي ساعدت في توحيد نضالهم، حيث كرس المستعمر ومعه السلاطين الفرقة بين أبناء الجنوب، وتعامل كل سلطان مع سلطنته (التي كان بعضها عبارة عن مجموعة قرى) كدولة مستقلة عن السلطنات الأخرى، بينما لم يكن السلاطين في واقع الحال إلا مجرد موظفين لدى المستعمر ينفذون أوامره مقابل حفنة من المال يعطى لهم كمرتبات.

وقد عملت السياسة التي انتهجتها الحكومة التي قامت في الجنوب بعد استقلاله على محو ما ظل عالقاً في عقول مواطنيها من ذكريات العصر السلاطيني، حيث كرست مبدأ المواطنة المتساوية بين مواطنيها، مع فرض سيادة القانون في كل أرجاء الدولة، وإنها الثارات التي كانت قائمة بصورة رسمية.

ساعد كل ذلك على توحيد الشتات الجنوبي في كيان واحد في إطار الهوية اليمنية التي استطاعت أن تستعيد رونقها من جديد بعد القضاء على الحكم الإمامي في الشمال وقيام النظام الجمهوري على أنقاضه، وكذلك استقلال الجنوب وقيام حكومة وطنية فيه، خصوصاً بعد أن مر الشعب اليمني بمرحلة من وحدة النضال المشترك ضد الإمامة والاستعمار، تلك الوحدة النضالية التي تجسدت على كامل التراب الوطني لليمن بجنوبه وشماله في ظل تلاحم شعبي رائع رغم وجود التشطير السياسي.

وقد تجسد ذلك التلاحم الشعبي بين أبناء الوطن اليمني الواحد مدعوماً بأواصر التاريخ المشترك، والعادات والتقاليد المتجانسة، والإطار الجغرافي الواحد، حيث تضافرت كل تلك العوامل لتشكل ضغطاً شعبياً على السلطات الحاكمة في صنعاء وعدن، وجعلها تبدأ باتخاذ خطوات عملية صوب إعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني الواحد، وهو ما تم في 22 مايو 90م.

لكن مسار الوحدة اليمنية ما لبث أن انحرف عن أهدافه النبيلة على يد السلطات التي تسلمت مقاليد الأمور في الجمهورية اليمنية؛ خصوصاً بعد حرب صيف 94م، حيث أفقد ذلك الوحدة اليمنية بعض بريقها في نفوس أبناء الجنوب خاصة، نتيجة للممارسات الاقصائية التي مورست في حقهم واستبعاد العديد منهم من مناصبهم ووظائفهم في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وترافق ذلك مع نهب منظم لأراضي الجنوب وثرواته ومعه أيضاً أراضي الشمال وثرواته لصالح قلة متنفذة وفاسدة استأثرت بمقدرات الوطن اليمني من دون أبنائه.

وبعد انطلاق ثورة 11 فبراير الشعبية السلمية في 2011م بما سبقها من حراك سلمي جنوبي تكاتفت الجهود الثورية وأنتجت لنا سلطات جديدة للدولة اليمنية، وأوصلتنا إلى حوار وطني صار المواطن اليمني يؤمل عليه بأن يصحح تلك الاختلالات ويعيد للوحدة اليمنية رونقها وألقها الذي كان، لتعود وحدة لشعب متلاحم متأخٍ ومتحاب قبل أن تكون وحدة جغرافية وسياسية.

وتعود الهوية اليمنية من جديد مصدر فخر وعزة لكل أبناء اليمن من المهرة إلى صعدة كما كانت، بحيث تتكاتف جهود أبناء الشعب اليمني لبناء دولة تسودها قيم المحبة والتعايش والحرية والكرامة في إطار من العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية مع توزيع عادل للسلطة والثروة.. و(لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) و(كيفما تكونوا يولى عليكم).