الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:١٨ صباحاً

الثورة في المجتمعات القبلية

محمد عارف
السبت ، ١٥ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
الثورة فعل اجتماعي كبير له شروطه الكثيرة ومنها الشروط السكانية: الأنماط المعيشية، للسكان وطرق تجمعهم، والعلاقات الإجتماعية التي تحكمهم ...وعندما نسمع أن اليمن ليس مصر أو سوريا فلأن الأخيرتين هما من أولي الحواضر في التاريخ، عرفتا المدينة المليونية قبل مئات السنين ربما قبل الأوربيين، فمنذ أزمنة بعيدة انتقلوا من نمط المعيشة القبلي إلي نمط معيشي آخر هو نمط المدينة وهذا يعقبه تحول في الفهم وطرائق التفكير، وفي اليمن لازال المجتمع قبليا ولازال أكثر من ثلاثة أرباعه قبائل تسكن الأرياف أو البوادي ولازالت المدن في بداية ظهورها وتشكلها وهذه مرحلة من أهم صفاتها السوسيولوجية ما يسمي بظاهرة (بدونة المدينة) وهي ظاهرة عربية بامتياز تسلب المدينة صفة المدنية، فلدينا مدن عصرية متكاملة لكن سكانها هم من القبائل البدو أو القرويين، ولا حاجة لإيراد صنعاء أو الرياض أو الشارقة كأمثلة علي ذلك!!

والثورة تظهر في مجتمع مدني تلاشت فيه الروابط القبلية وسيطرة الأعراف وحل محلها روابط وعلاقات مدنية فيها القليل من العواطف والكثير من النفعية العملية والبراجماتية، وينظم هذه العلاقات دساتير وقوانين مكتوبة.

قد يثور أبناء القبيلة... وعندما يحدث ذلك فان سببه الأساسي هو العصبية (العرقية أوالدينية) كمايري ابن خلدون والتي تهدف إلي طلب المجد لأبناء هذه القبيلة أو الطائفة، وإلي تطبيق سلم قيمي خاص أو شخصي علي المجتمع غالبا ما يختلف قليلا أو كثيرا عن السلم القيمي للمجتمع ككل، وقد تنجح ثورة القبيلة في المجتمع القبلي فتذعن لها باقي القبائل لتظهر الدولة العربية التقليدية التي عرفناها طوال تاريخنا، لذلك فإن هذا الفعل الإجتماعي القبلي لا يسمي ثورة -وفقا للمفهوم الحديث للثورة- وإنما يسمي (دعوة) كما في دعوة عبدالعزيز بن سعود -مثلا- والتي تبدأ بدعوة وتجميع الأتباع والمناصرين من قبيلته وغيرهم(بشكل سري ثم علني) ومن ثم الإنتقال إلي مرحلة إخضاع باقي القبائل -أو الطوائف- طوعا أو كرها، لتظهر في النهاية دولة جديدة علي رأسها شيخ أو إمام أو أمير أوخليفة...

-في المجتمع المدني حيث لا قبيلة- فإن الناس يثورون بكافة طوائفهم وأعراقهم ليس ليوصلوا شخصا أو عائلة أو قبيلة إلي سدة الحكم وإنما ليسود حكم الشعب، وليحكموا أنفسهم بأنفسهم وفق ما يقرروه من دساتير وقوانين.

وقد كان للدخول القوي للقبيلة و الدعاة الدينين في الثورة ليس كثوار عاديين وإنما كزعماء للثورة وكمنظمين وممولين ومسيطرين وممثلين ... كان له تأثيره الكارثي علي الثورة، فبرغم أنه تكفل بدفع الفاتورة الباهظة للثورة، وشكل معادلا مسلحا ضد أي اعتداء علي الثوار إلا أن ذلك أيضا:

* شكل صدمة بالنسبة للكثيرين خاصة من كانوا يعتقدون انا قطعنا شوطا كبيرا باتجاه المجتمع المدني حيث كانت المفاجأة أن أكثر من خمسين عاما من التحديث لم تفلح في التخلص من قوة القبيلة وسيطرتها واستبدادهاولم تفلح في تحويلنا إلي شعب متجانس بدلا من كوننا مجموعة من القبائل والطوائف المتنافسة والمتصارعة علي السيادة والمجد والثروة والقوة لا تجمعهم سوي رابطة وطنية شكلية وإحساس ثانوي بالإنتماء للوطن.

*كما أن وجود (القبيلي)الثائر الآتي من أعماق الجبال أو من بطون الأودية قد يكون وجودا مقلقا ومربكا وأحيانا خطرا... فهو إن لم يكن شريكا قريبا أو أساسيا في المجد المستهدف ولم يكن (مؤدلجا) أو منظما فإنه يتحول إلي (بشمرقة) أو مرتزق (الجيش الحافي) لايهمه إلا (الفيد) والغنيمة و لا تأثير حقيقي له في موازين القوي.

*كثيرون لم يرو فيما يحدث ثورة شعبية مدنية وإنما (دعوة) قبلية/دينية ككل الدعوات التاريخية التي انتهت بنفس النهايات المرعبة باستلام الشيخ و(قبايله) أو الدرويش وأنصاره للسلطة، وهذا ماأفقد الثورة زخمها الشعبي الذي كان أبرز ملامح الثورات العربية الأخري، فالكثيرون لا يحبذون هذه النهاية ولا يرون فيها أي تجديد بل ارتدادا إلي العصور المظلمة وما قبل الدولة الحديثة، وعندها فلا فائدة من تحمل أعباء ومخاطر الثورة لإسقاط عائلة تحكم والدفع بعائلة أخري لتحكم بدلا عنها.

لقد آن الأوان بعد تسعة أشهر من الثورة أن ننتقل من مرحلة الحزن والأسف علي الذين خذلونا إلي التفكير الجاد في الأسباب التي جعلت الكثير من الناس يمرون بنا ويغادرونا مبتسمين وهم يلوحون بأيديهم: إلي اللقاء في ثورة قادمة.