الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١٥ مساءً

“المؤتمر الشعبي العام”: سمكة خارج بحر السلطة

محمد عارف
الثلاثاء ، ١٠ ابريل ٢٠١٢ الساعة ١١:٥٢ صباحاً
كثيرون يهمهم بقاء المؤتمر الشعبي العام ضمن الخارطة السياسية اليمنية بسبب مايمثل من أفكار وقيم ومسلكيات ومفاهيم تبرز جانبا من حياة اليمنين وثقافتهم، والتي لا يراد لها الإختفاء، ولأنه -إن أمكنه تلافي السقوط- فقد يتحول إلي ممثل وحيد لتيار ليبرالي متحرر لا يوجد إلي الآن من يمثله في اليمن، وهو تيار آخذ في الخفوت بسبب التواجد الكاسح للقوي الإسلامية واليسارية.

في الحقيقة أن حزب المؤتمر الشعبي العام لم يكن في أي يوم من الأيام أكثر من زعيم مؤسس يتمتع بشعبية جيدة (كرئيس جمهورية) تحت تصرفه اموال طائلة من خزينة الدولة تنفق بلا حساب في مواسم الإنتخابات لشراء نتائج الإنتخابات عبر مجموعة قليلة من المنتفعين والسماسرة يعملون كوسطاء بين الشعب والحزب، أضف الي ذالك أدوات أخري هي قوة السلطة ومزاياها من مناصب إدارية ونفوذ ومشاريع استثمارية.

الآن وبعد خروج المؤتمر من السلطة يكاد يكون الثوب الذي يرتديه فارغا لايحتوي علي أي حزب، فهو بلا شعبية حقيقية لأنه لم يهتم من قبل ببناء شعبيته بين الناس العاديين ولم يلتفت إليهم، وكل تعامله كان مع الطبقات البرجوازية العليا يقلبهم بين الأموال والمناصب مقابل ان يسيطروا له علي الناس(العوام)، حتي أولئك المنتفعين ذوي الثقل السياسي والإجتماعي غادر معظمهم المؤتمر قبل أن تبدأ المعركة، وهاهو أيضا يفقد أهم أدواته التي طالما اعتمد عليها: المال العام وامتيازات السلطة من مناصب عامة وقوة ونفوذ.

لذلك فإن المؤتمر يواجه تهديدا جديا بالسقوط والإنهيار مالم يسارع ببناء الحزب من جديد علي أسس علمية.

عليه أولا بناء فلسفة واضحة ومقنعة ومفهومة، تعتنقها القيادات وتؤمن بها، ثم تستعرض أمام الناس من خلال خطاب إعلامي وثقافي مدروس ومتعدد الأشكال والمستويات يحرص ويثابر علي الوصول إلي جميع أطياف وفئات المجتمع… لابد أن يصنعوا فلسفتهم الخاصة بهم ويصوغوها في شكل مبادئ عقلية بسيطة يؤمنون بها ويناضلون من أجلها ويثبتون عليها، ويحرصون باستمرار علي تبسيطها أكثر وأكثر حتي يمكن اختزالها في عدة رسومات وشعارات تصل إلي الجميع ويفهمها الجميع، صحيح أن المؤتمر لديه فلسفته الخاصة لكنها عبارة عن أفكار كبيرة من الشرق والغرب والشمال والجنوب والماضي والحاضر مخلوطة بشكل سيئ ومسكوبة في مجلدات ضخمة لازالت إلي الآن حبيسة المكتبات العامة، ومن السهل الجزم بأن عتاة القيادات في المؤتمر لم يتجرأوا علي الإطلاع عليها، وإن اطلعوا عليها فلن يفهموها.

علي المؤتمر أن يحدث الناس عن شيئ ما، يمكن ان يعتقد الناس أنه حقيقي وصائب وأنه يمثل الحل لمشكلاتنا، وعلي الحزب ان لا يترك هذه المهمة للرئيس كما كان في السابق، لأن الرئيس لا يجد مايقول بعد عدة خطابات فيكرر خطاباته السابقة ويصبح الأمر مملا، علي الجميع أن يتحدثوا بنفس القدر عن نفس الأفكار العظيمة!

ثانيا: عليه بناء قاعدة شعبية حقيقية منظمة تهتم بالإنسان العادي وتوظف طاقاته وتحرر قدراته وترعي إبداعاته وتنظم أنشطته وتعالج مشكلاته…في الوقت الحالي لا تواجد ملحوظ لمؤسسات وأنشطة المؤتمر في أوساط الناس، فقط مقرات مهجورة تتوارث قيادتها عائلات محددة، أو مسئولين مؤتمريين متعجرفين، إتصالهم مع الناس مقنن ومحدود، لم ير الناس في معظمهم إلا لصوصا وفاسدين، أو وجاهات اجتماعية وقبلية مرعبة همهم ان يدفعوا بالناس إلي التصويت للمؤتمر عبر الترغيب مقابل الفتات من المال، أو الترهيب بتعطيل مصالح الناس ومعاملاتهم مع الدولة التي لايمكن أن تنجز إلا من خلال هؤلاء الوسطاء،لذلك فإنه وبسبب هذا التواجد المحدود فقد بقي المؤتمر في أذهان الناس هو: رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح لا أكثر ولا أقل، وتواجد المؤتمر هو نفس تواجد الدولة.
إن المؤتمر حاليا أمام فرصة جيدة لبناء حزب مثالي والتحول إلي كائن ’برمائي’ يعيش أيضا خارج الماء… إذا أدرك أن حياة الأحزاب رهن بهذا الإنسان البسيط وأنه من أجل هذا الإنسان عليه أن يغادر علياءه وينزل إلي الشوارع والأسواق والأرياف ويخاطب الناس عبر كوادر متعلمة ومدربة -نوعا ما- عن مفاهيم وأفكار بسيطة وضرورية لحل مشكلاتنا، ولابد له وهو يبني شعبية الحزب أن يحرص علي أن يجمع الناس حول الفكرة والمبدأ وليس حول الأشخاص، لأن الفكرة خالدة باقية ثابتة أما الأشخاص فزائلون متغيرون ومتبدلون… لابأس بصناعة رموز ملهمة لكن حذار من صناعة أصنام يتعافي الحزب بتعافيهم ويمرض بمرضهم ويموت الحزب بموتهم. الولاء للفكرة والمبدأ هي المعيار عند بناء شعبية الحزب ولا ينبغي بناؤها علي أساس الولاء للأشخاص أو شراء الولاءات بالمال كما كان يحدث في السابق حين كان المؤتمر يشتري انضمام خصومه وأعداءه إليه لأنهم فازوا في دوائرهم الإنتخابية، منذ الآن عليه أن يكتفي من شراء الأعداء! وأن يختار كوادره وفق معايير مختلفة اهمها الإيمان بالفكرة والإخلاص لها، ولا ينبغي أن يكون من بين تلك المعايير أن يسبح بحمد الزعيم ويقدس له.

علي المؤتمر أن يدرك خطورة أنه بلا فلسفة واضحة وبلا تراث فكري وبلا تراكم معرفي وبلا أهداف لا قريبة ولا بعيدة وبلا مفكرين وبلا شعبية حقيقية وأن كل مقتنياته البشرية عبارة عن بقايا انتهازيين قبليين أو أنصاف متعلمين لاتستبقيهم في الحزب إلا بقايا أموال عامة.