الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٥١ مساءً

كوكب السَحر أحمد مطر

إيمان ناعس
الخميس ، ٠٣ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
لم يكن أحمد آل مطر شاباً فريداً من نوعه،لكنه أحدث قصة فريدة من نوعها. إنه شاب الثامنة عشر ربيعاً، وردة من ورود القطيف الزاهية، لم يكن وحده الذي اختطفه الجور من بين أحضان أحبته وذويه بالكذب والزور والبهتان،لكنه قصة إنسان اختصر الزمان حين كتب القصيدة الأخيرة.
أن تعيش ملهوفاً على الحياة تترامى بين أحضانها، ترنو للمستقبل وتحلم بالعيش الرغيد فذاك هو ديدن أبناء الثامنة عشر،لكن أحمد حكى قصة أخرى حين كان يعلو صوته للحرية في المسيرات،وحين كان يقفز بكل حب لإنقاذ من أصابته رصاصات الغدر والإخراس.

القطيف اليوم تنجب الورود لتنثرها على دروب الحرية،وفي زفافه مسيرة حاشدة تناثرت فيها الرياحين وزغردات الأمهات،حفته القطيف بشبانها وشيوخها بمفكريها، وأدبائها و كثير من الزهور أمثاله، رُفع فوق الأكف ، وقد ارتضاه الجميع في تلك اللحظة رمز الثورة والإباء والتضحية والإيثار،وقد سمع الجميع تراتيل قصيدته تلك من نعشه الصامت.

لقد اختصر أحمد صاحب القامة الرفيعة والسني القليلة كل الحكايات،في قبضته حكاية، وفي عمره المغدور حكاية ، وفي جراحات جسده المبضع بسكاكين قطاع الطرق حكايات أخرى.رأيت أهله يبارك بعضهم للبعض الآخر، ورأيت الزهور أمثاله يحتضنون صورته في صدورهم.كانت السماء ليلتها تودع رأس السنة في هدوء تام إلا من الهتافات،وتُودِع كوكبها المضيء في باطن الأرض لتحتضنه بكل شوق،قبل أن يقبِّل جبينه كل عشاق الحرية.

في صباح اليوم التالي عادت السيارات السوداء تجوب شوارع الزفاف تزمجر باحثة عن بقايا أحمد الذي قتلته بالأمس،داست على الرياحين،وزمجرت حين رأت الصور والشعارات، فأحمد لم تبتلعه الأرض،لكنها احتضنته ليعود في كل بيت وفي كل شارع.

التفّت الأزهار من الشبان لحظة مواراته حول جثمانه كقمر تلتف حوله أقمار،لم يهتفوا كثيراً، لكن عيونهم هتفت للعالم بأسره: توقف أيها العالم.. وتوقف أيها الشعر هنيهة.. فها هنا كربلاء جديدة، وها هنا ملاك طاهر مزقته ضباع الأرض،ها هنا كوكب آخر من كواكب الأسحار تهاوى .. هاهنا أحمد مطر.