الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٨ صباحاً

عندما تُسحَلُ الثورة

عبد الرحمن العسلي
الاربعاء ، ١٨ يوليو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٠١ صباحاً
ليس عبياً أن تشتعل الثورات كالبركان ثم تخلف رماداً في أحسن الأحوال ، كما أنه ليس من المعقول أن تستمر الثورات الى ما لا نهاية إذ أن قصر عمرها مبرر قوي و نبيل كي تستمر الحياة و لا تنقرض فجأة ..

و بناءً على هذا فإن نجاح الثورات مرهون بإستغلال فترتها القصيرة التي تتطلب أن تكون الأهداف واضحة و السبل للوصول الى تلك الأهداف صادقة غير ضبابية و لا تمتهن أي نوع من التطبيع مع التضليل و الكذب و البهتان و الزور ..

قد نتفق و قد نختلف كثيراً حول هذه التفاصيل لكن من المؤكد أنه أنا و أنت قد تصيبنا غصة طويلة الأمد حين نلاحظ سحل الثورة بهذه الطريقة الفجة ، أقول فجة لأن الشباب عوملوا بشكل يصنع منهم قنابل موقوته ، ذهب أًصحاب الدثور بالأجور و لم يقدم للشباب أي تبرير قل أو كَثُر و هذا يدل بما لا يدع مجالاً للبس بأن رغبات الوصول للسلطة تغلب الرغبة لحل المشاكل جذرياً و الوصول بالوطن الى مرفأ آمن ..

ماذا يعني ألا يُقدم للشباب أي إجابة لأسئلتهم أو تحقيقاً لمطالبهم و الإكتفاء بجعلهم يصرخون و يشجبون و يشحنوا أنفسهم بشحنات لن تنفد بسهولة من الهزيمة و القهر و الشعور بالإحباط ؟! ، صدقوني أيها الأعزاء أنا أتكلم هنا ، على وجهة الدقة ، عن شباب ثملوا بأحلامهم و تصوروا اليمن كجنة و دفعوا لقاء ذلك أنفسهم و أموالهم و مستقبلهم ، بربكم أتظنونهم يتراجعون او يقتنعون بالتطنيش و إغراءهم بالمنظمات و الجمعيات الممولة من الخارج ككلاب الحواري الجائعة ؟!

المنظمات و الجمعيات و المؤوسسات الشبابية الديكورية ليس بإمكانها أن تحتوي كل هولاء الشباب ، و لا تمتلك القدرة أن تلبي لهم و لو جزءاً بسيطاً من طموحهم الذي كان أقله أن يروا وطناً ، و ما أظن كل هذه الحركات النشيطة لإقناع العقول بأن الشباب قد تحول نحو هذا النوع من النضال سوى فكرة شاردة لسحل الثورة و تفكيك أعضائها خوفاً من الشظايا لا من قوة الأنفجار !!

نعم الثورة قنبلة موقوتة ، و سيكون تدميرها كارثياً إذا ما أستمرت كل الأطراف في التعامل مع شباب الثورة كجمل ضخم الهيئة لكنه سهل الإنقياد ، و أسمتراء التطنيش و التبرع بالأماكن ا لفارغة لممثلي الشباب درءاً للحياء و ليس رغبة في الشراكة و السعي نحو مناقشة القضايا التي خرج من أجلها الشباب و ضحى لأجلها كثيراً..

المسكنات و المهدءات قد تفاقم من المشكلة و لن يكون بإمكانها ترويض ثورة لأجل شرعية التوافق أو تأجيل السقوط لمن لم يكن يحلم بالإنتصاب مجدداً ، و لن يكون تفادي إنتفاضة المقهورين و المهزومين شيئا يسهل السيطرة عليه و التحايل عليه بعملية سياسية غير منصفة و لا تعترف بالمنطق و الحلول الجذرية للقضايا ..

أجد نفسي مضطراً أن أعيد مرارا و تكراراً أن الثورة كانت بالنسبة لهولاء أملا أخيرا و تعلقت بهذا الأمل رغبات و إرادات البقاء ، و عندما يشعر أي كائن بلسعات الخوف من الفناء فإن كل الأشياء تتساوى بالنسبة له ، و لذلك فإن عدم إطفاء اللسعات و التخفيف من ألمها يجعل أعداد هائلة من الثائرين مقايضيين بأي شيء قرباناً لأجل الحياة ..

أميل كثيراً للغة التحذير من خطر قادم أكاد أحسه و ألمسه كواجب أملاه عليّ إنتمائي لهذا الوطن الكبير ، فكما قال الفيلسوف الكبير كونفوشيوس فإن الحذرون يخطئون أحياناً ، تفادياً لإقصاءٍ يثقل كاهل الوطن و يتفاقم ليكون طامة عظيمة على الأجيال القادمة ...

هي رسالة صادقة أوجهها لمن لهم الأمر أن ينظروا الى هذه القضية نظر الخبير و ليس المتعصب او المحايد ، و هندسة الحلول بما يخدم إستقرار المجتمع لا بما يفاقم من خوفه و خلق تراكماتٍ تجعل الحياة في المستقبل شيئاً من جحيم او سجناً أبدياً للتنوعات التي ستلجأ الى التناحر بدلاً عن التنافس و الإبداع .