السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:١٩ مساءً

رصاصات طائشة!

عبد الرحمن العسلي
الجمعة ، ١٠ فبراير ٢٠١٢ الساعة ١٠:٥٥ مساءً
لعل ما لم يدركه القطيع من البشر أن الرصاصات الطائشة تتوزع شظاياها بعدل ، العدل الذي يعني على وجه الدقة أن لا خصم و لا ضحية ، لا غالب و لا مغلوب ، لا هالك و لا ناجي ، و يعني بعمق أن لا حصانات ستوهب لأحد حين تغطي سماء المجتمع ت...لك الشظايا ...

لعل أكثر من يعي أن الأضرحة هي أكثر صور العدالة وضوحا و قراءة هم العلماء ، و على وجه الخصوص العلماء الموقعون على تلك الفتاوي التي تنطلق تباعاً و لعل لمعان الشظايا يبشر بالآزفة ، الآزفة التي ستُحيل المجتمع العاطفي المتحمس الى مقبرة لا تُزينها وردة...

الدعوات الخجولة المُدججة بمشاعر العنف تفكك روابط المجتمع و تبدأ مراسيم إعلان الأيام القادمة أيام وطنية لثقافات الجنائز ، ثقافة العنف و العنف المضاد ، إنها ترغم المجتمع ليكون هشاً يُثار بحركة ، بكلمة ، بنية قد يصدق قائلها و قد يكذب ، إنها علامات المجتمع الضعيف الآيل الى الإنحدار ، فلا يمكن لمجتمع قوي أن يُستثار بكلمة او تصريح من ذلك او ذاك...


مُستعظم النار من مستصغر الشرر كما دأبنا على حفظها في مناهجنا الدراسية ، هكذا حفظناها و لم يُذكر في ذلك الوقت أن هذا البيت الشعري قابلا لأن يكون منسوخا و لو بفتوى مُذيلة بتوقيعات حشد من البشر ، و هاهي اليوم بيتا مُحَكماً غير متشابه فلا يغير من هول تلك النار المستغظمة أن الذي صنع مستصغر شررها هم صفوة المجتمع و لو مجازا ، النار هي النار و ستلتهم الجميع إذا ما تعاملنا بتطرف و أصرينا على نشر الشرر الذي يُخيل الينا انه مستصغر في بادئ الأمر...

علينا أن ندرك أن العواطف تُهيج و دأبت على إحترام كلمات العلماء حد التقديس ، و أن قليلا من التهييج بكلمات مثل ( الغيرة ، الدفاع عن الله ، الإنتصار للدين) كافٍ لأن تقلب النار الى حجيم لا تٌبقي و لا تذر و لن يكون بالإمكان وقف تلك السعير التي تتنازل عن بعضها من غيضها المستطير و في نهاية المطاف بعد أن يأخذ الزمن بروتوكولاته سنجد أنفسنا جميعا أمام قانون جديد تنص المادة الأولى منه على الآتي : النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله!

طاهش الحوبان يستفرد به طيور الظلام ، يستفردون به تحت كل مسمى و بإسم كل شيء ، إنه إستفرادٌ يبدو للوهلة الأولى أنه سيكون فعلاً لازماً غير متعدٍ ، لكن للأسف الأمر غير ذلك ، إن هذا الفعل يندرج تحت قانون الشظايا ، قانون التساوي إذ لا طرف متميز فيه و حاصل معادلته تكون بكل الحسابات و اللغات صفراً...

بالأمس ، فقط ، انظمت الدكتور أروى الخطابي الى ركب المُكَفرين ، كانت على ما يبدو مذهولة غير متوقعة أن يصدر بها مثل هذا الحكم المخيف ، تأن كعصفور بريئ أبيض يحمل أفكاراً مدنية تحوم في الأفق لتنشر رسالات التسامح غيرة على الفقراء و حال البلد فأصبحت من الذهول و الحيرة التي أصابتها نفس ذلك العصفور و بنفس التفاصيل لكن بجناح واحد فلا أعظم على النفس أن يُشاع على الإنسان تهمة الكفر او الخروج عن الطريق المرسوم ، ذلك أمر عظيم ...

الرصاصات تخترق الحواجز الأقرب لها و بسرعة خيالية ، بشرى الى محسن عائض الى فكري و الأرقام قابلة للزيادة ، و لحسن الحظ فإن الشظايا مازالت تُلملِم بعضها و تحترم هذا المجتمع المغلوب على أمره ، تعطيه مهلة لمراجعة الذات ، لتُعذر بعد أن أنذرت لكيلا تكون مُلامة إن غاص المجتمع في بحر من التكفير و الإلحاد المضاد...

الى العقلاء في هذا البلد ، الى كل من يهمه مصلحتها و يخافون عليها ، الى أبناء هذا البلد البارين : أوقفوا هذه الرصاصات ، إن لم تقف و بسرعة فإن شظاياها ستعدل بين الجميع ، المشارك و المحايد ، العالم و الفاسق ، المسؤول و الرعية ، لنتراص كالبنيان لوقف كل هذه الحملات التكفيرية المُرعبة التي تُهدد استقرار المجتمع و تهدد من تماسكه و تُهيج عواطف الناس...

اللهم هل بلغت اللهم فاشهد...