الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٣٢ مساءً

ثورتنا.. أعادت بناء الإنسان

نيزان توفيق
الأحد ، ١٥ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٥:٠٢ مساءً
لعّل من سمات الثورة الشبابية الشعبية إضافة إلى سلميتها أنها لم تنحصر في بوتقة الحراك الثوري من تحشيد وتجييش ومسيرات ومظاهرات، بل جاوزت حدود التثوير إلى تخوم التنوير.

فخلال العشرة الأشهر الماضية شهدت ساحات التغيير وميادين الحرية في غير محافظة ومديرية يمنية أشكالاً وألوانا من الحراك الثقافي والفني مختلفة الأساليب ومتنوعة التراكيب.

ففي غير ساحة كان هنالك جزء كبير منها ومن خيامها مخصصاً لإقامة المعارض، كمعارض الصور ورسومات الكاريكاتور واللوحات الزيتية والفنون التشكيلية ومعارض للمعروضات الشعبية من أقمشة ومجسمات تراثية وخيام أخرى خصصت لتنظيم الأمسيات الفنية والأدبية والندوات الفكرية والاجتماعية فضلاً عن المسرح والشعر والأناشيد والأغاني، ولا نستثني من كل ذلك الجانب الإعلامي إذ لا توجد ساحة تغيير إلاّ ولها أدواتها وقنواتها الإعلامية الخاصة بها، صحفاً كانت أو مواقع الكترونية إخبارية.

وفي هذا الأخير - وأقصد الإعلام الالكتروني - استطاعت أن تتجاوز النقل «الجاف» للمعلومة إلى الاحتراف والإبداع والتعاطي السليم معها موثقة معلوماتها بالوثائق والصور بل وبالصوت والصورة في أحايين كثيرة..

واستطاعت - على نقيض الطرف الآخر - استغلال مواقع التواصل الاجتماعي أيَّما استغلال، وإذا بكُّل بل بجُّل الوسائل الإعلامية المحلية والعالمية تعتمد على «إعلام الثورة» لاستقاء معلوماتها مكتوبة كانت أو مرئية..

وإذا بعديد الأدباء والنقباء يتفقون على أن ثورة التغيير في اليمن أنتجت ثورة ثقافية متلازمة مع أحداث الثورة طالما أن «الأحداث العظيمة والثورات العظيمة تكون ناتجة عن ثقافة عظيمة ذات بصمات واضحة»، والقول هنا للأستاذ العظيم عبدالباري طاهر، ومثلما أصبحت هذه الساحات وتلك الميادين أمكنة خصبة لتنمية الثقافة في شتى نواحي العلوم ومناحي الفنون، صارت أيضاً مدارس لتعزيز مفهوم «النظافة» كسلوك راسخ في العقل والوجدان المجتمعي.

وقد دهشت كثيراً الأسبوع الفائت وأنا أتابع حملة النظافة التي قام بها فريق من ساحة التغيير بالعاصمة، حملت شعار «نظافتي عنوان حضارتي» وشعار كهذا يمثل برأيي أبلغ أساليب التعبير في مضمار بناء الدولة المدنية الحديثة التي ينادي بها هؤلاء الشباب الأفذاذ.

وقد استمرت الحملة قرابة اليومين من المستشفى الميداني وحتى جولة سيتي مارت وفي بيان أطلقه هذا الفريق في صفحتهم «بناء حضارة» على الفيسبوك قالوا: «إن التغيير السياسي لا يشكل إلاّ جزءاً من الحضارة التي نحلم بها وإن التغيير الخارجي الذي نسعى إليه لا بد أن يسبقه تغيير داخلي هو تغيير للفكر، وإن من ركائز بناء أي حضارة بناء الإنسان قبل البنيان، حيث أن من أهم التداعيات التي أدت إلى المطالبة بإسقاط النظام أنه لم يكترث ببناء الإنسان وتأهيله كما ينبغي، وبما أن ساحات وميادين الحرية والتغيير خالية من النظام فهي تمثل البذرة التي يمكن أن تُشكل من خلالها الدولة المدنية الحديثة».

وذات الأمر حدث في ساحة الحرية بتعز، فشباب الساحة لم يكتفوا بنظافة ساحتهم بل تجاوزوها إلى تنظيف شوارع مدينتهم كمبادرة شبابية منهم.

هذه إذَنْ هي ثورة «أبو يمن».. لم تكن ثورة لإسقاط النظام السياسي فحسب بل ولإعادة بناء الإنسان فكرياً وسلوكياً واجتماعياً وهو ما حدث بالفعل وأكده المتابعون لثورات الربيع العربي أن ثورة اليمن هي الأرقى والأنقى في أساليبها ووسائلها وشبابها الذين يمثلون الأمل المشرق لبناء دولة اليمن الحديثة والنظيفة أيضاً.
[email protected]