الخميس ، ١٤ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠١ صباحاً

لإيمان بالله والسيسي واليوم الآخر

وائل قنديل
الاربعاء ، ٠٩ مارس ٢٠١٦ الساعة ١٢:٤٦ مساءً
من الربط التعسفي بينه وبين الوطن، ينتقل عبد الفتاح السيسي إلى الربط، قسريا، بينه وبين الله.
في مداخلته الأخيرة مع الإعلامي عمرو أديب، على القناة المشفرة التي قال مرتضى منصور إنها سعودية، وطالب بغلقها، خاطب السيسي المصريين هكذا "لو عندكم ثقة في الله وفيّ اصبروا". هنا، تتضخّم بارانويا الزعيم، لتتجاوز مرحلة "الحاكم بأمر الله"، وتصير الثقة بالسيسي رديفة للثقة بالله، ولو قست على ذلك، لن يكون مباغتاً لو أنهم اعتبروا أن إيمان المرء بالله لا يكتمل إلا بالإيمان بالسيسي.
قلت، قبل عام، إن اللامعقول واللاإنساني الذي تعيشه مصر مع السيسي لا يختلف عمّا عاشته مع الحاكم بأمر الله، وغالباً ما يبدأ اللامعقول صغيراً، ثم يتضخّم ويتحوّل إلى محيط هادر من الجنون. وأذكر أنه حين أعلنت سلطات عبد الفتاح السيسي القبض على طالبٍ جامعي، بتهمة حيازة نسخة من رواية 1984 للكاتب جورج أورويل، اعتبر كثيرون ذلك هو اللامعقول، غير أني توقّعت ما هو أبعد، وتساءلت: متى يحرّم السيسي أكل الملوخية، كما فعل الحاكم بأمر الله الذي بدأ، مثله، معتبراً نفسه حكيماً فيلسوفاً، وانتهى به الأمر مدّعياً النبوّة والألوهية. فكما لم يبخل الزمن على الحاكم بأمر الله بمثقفين يغرقونه بمدائح خارقةٍ حدود العقل والنقل معاً، لا تخلو مصر، الآن، من فقهاء وشعراء سلاطين يفعلون الشيء نفسه.
بالطبع، لم يكن الجنرال العائد من كوريا الجنوبية يلهو بالريموت كونترول، فوقعت عينه على برنامج عمرو أديب، مصادفة، فمن الواضح أن الاختيار مدروس بعناية، والتوقيت كذلك، فقد كان بإمكانه أن يخترع مناسبةً أخرى للإدلاء بتصريحاتٍ، أو حتى إلقاء خطبة، كان عنده اليوم العالمي للمرأة، يصلح مناسبة للخطابة، أو لإجراء حوار تلفزيوني، لكنه ذهب إلى الفضائية المحسوبة على السعودية.
تحدث السيسي طوال عشرين دقيقة، وكأنه مرشح لانتخاباتٍ بلديةٍ ينتهز فرصة ذهبية للتواصل مع المصوّتين، فراح يتحدث عن مشروعاتٍ في سيناء، يمكن للمحافظ أو رئيس مجلس المدينة أن يتولى مهمتها، لكن كون القناة مشفرة، لا يشاهدها إلا نسبة ضئيلة من الجمهور، يجعل الاحتمال الأكبر هنا أنه يستهدف بالرسالة الممولين والمانحين، مقدماً كشف حساب بإنجازاتٍ وهمية، لاستدرار المزيد، أو لطلب فرصةٍ بالاستمرار، في ظل حديث متصاعد عن ضرورات الرحيل.
نبرة الاستجداء كانت طاغيةً في صوته، وهو يُسكت المذيع، كلما بادره بسؤال، قائلا "وأنا بكلمك كده" أحقق الإنجازات، تماماً كما قال كثيرا من قبل، لعل أشهرها بعد الحفل الصاخب لافتتاح تفريعة قناة السويس، حين أعلن، بيقينٍ جازم، أنها غطت تكلفتها "وأنا بكلمك كده". وكان المفترض أن بعد مرحلة تغطية التكلفة، ستبدأ مرحلة انهمار الأرباح، غير أن الأرقام الرسمية وغير الرسمية تنطق كل يوم بتراجع الإيرادات.

لم تعرف مصر حاكماً يطارد برامج التوك شو طالباً الكلام على هذا النحو الذي يهبط برئاسة الدولة إلى مستوى رئاسة مجلس بلدي أو مركز شباب، مقدم على انتخابات، أو يشهد حملة توقيعات لسحب الثقة من إدارته الفاشلة، الأمر الذي يدفعها إلى ضخ حزمةٍ من الوعود والإنجازات الوهمية الجديدة.
يدرك السيسي جيداً أن الذين يعتبرهم "أهله وناسه" تشبعوا، حتى الامتلاء، من تلك النوعية من الأكاذيب المتعلقة بالغد، خصوصاً أن اليوم، وكل يوم، لا يشهد إلا غوصاً جديداً في رمال الفشل، مع تسارعٍ في وتيرة القفز من السفينة التي يمضي بها قبطانٌ أعمى، استهلك كل مخزونه من "السهوكة" العاطفية البليدة، وادعاء القوة الباطشة، بينما الواقع ينطق كل يوم، بل كل ساعة، بأن هذه البارانويا باتت تشكل خطراً على ما تبقى من ملامح أمةٍ ومقومات وطن.
وأكرّر أن قصص التاريخ تنبئنا بأن الطغاة يبيدون كل من يستشعرون من وجودهم خطراً، يتخلّصون منهم، واحداً تلو الآخر، حتى تضيق الدائرة، فلا يبقى للطاغية إلا ظله، فيقوده جنونه إلى إطلاق الرصاص عليه.

"العربي الجديد"