الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٨ مساءً

بعد توقيع المبادرة الخليجية: هل انتصرت الثورة؟

محمد عارف
الاربعاء ، ٣٠ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ٠٧:٤٠ صباحاً
لاقي توقيع الرئيس والمعارضة علي المبادرة الخليجية ارتياحا شعبيا ودوليا واسعا وتفاءل عامة الناس بقرب نهايةحالة الصراع التي أثرت علي حياتهم وأمنهم ومعيشتهم.

بلا شك فتوقيع المبادرة شكل نصرا للثورة التي حملت منذ الوهلة الأولي شعار (إرحل) و توقيع المبادرة هو إقرار وشروع في تنفيذ رحيل منظم لصالح عن منصبه كرئيس للجمهورية بإشراف وضمانات دولية لا يمكن الإخلال بها أو التملص منها.

بعض قوي الثورة شككت وتشككت في إعتبار ما حدث نصرا للثورة لمجرد انها كانت ترغب في سحق علي صالح، أو لأن المبادرة فوتت عليهم فرصة جرجرة جثته خلال أنابيب الصرف الصحي، وهؤلاء يجدون صعوبة في استقراء الأحداث وملابساتها بشكل منطقي لأنهم أصبحوا كتلا حرجة من العواطف الطامية التي سرعان ما تفاجئك باختفائها، أما رفض بعض قوي الثورة المسلحة كالجهاديين والحوثيين للمبادرة فلأن توقيعها وإنهاء الصراع بين أقطاب السلطة سيحرمها من مناخ الثورة الملائم لنموها وتكاثرها، فقد حققت هذه الحركات خلال أشهر معدودة مالم تحققه خلال أكثر من ثمان سنوات، وكان سيكفيها فقط عدة أشهر أخري من الصراع (الغوغاغوجي)الثوري السلمي المدرع... لكي تصل إلي صنعاء!!

لقد أصر المجتمع الدولي علي بقاء صالح وأولاده في اليمن حتي بعد تنحيه عن رئاسة الجمهورية كضامن لوحدة اليمن القابل للتفكك والصومله، وكحارس لعدم صعود أو وصول قوي إرهابية أو متعاونة معها إلي سدة الحكم،ففي نظرهم ما من بديل مناسب حتي الآن لهذه المهمة، وطوال الأشهر المنصرمة كان الجميع يحاولون إقناع المعارضة أن مايطالبون به من نفي الرئيس نهائيا من اليمن ومحاكمته هناك في النصف الآخر من الكرة الأرضية هو أمر غير ممكن حيث يتطلب ذلك حروبا طويلة لن ينتصروا فيها كل مافي الأمر أن تدمر الدولة والبلاد وتصبح مرتعا للإرهابيين وهو مالن يسمح به المجتمع الدولي، كما أن رحيل ومحاكمة ثلث النظام وبقاء ثلثيه هو أمر غير منطقي فقد كانوا أيضا حكاما فعليين (علي محسن وآل الأحمر) حتي آخر لحظة واحتفظوا بنفوذهم وسلطاتهم حتي بعد تحولهم الي معارضة وحتي بعد تحولهم إلي ثوار، الفارق بينهم وبين صالح أن الأخير كان يتولي منصبا قياديا رسميا كرئيس جمهورية، بينما هم كانوا قادة بدون مناصب، تماما كالقذافي كان حاكما فعليا دون أن يكون له منصب رسمي، كانت حجته سخيفة حين رفض الرحيل لأنه مواطن عادي وليس رئيسا لليبيا، والمطالبة برحيل صالح وحده لا تقل سخفا عن ذلك، لكن المنطقي والمنصف هو تنحيه عن منصبه الرسمي وهو الشيئ الزائد عليهم ليصبحوا ثلاثتهم متساوين، ثم بعد ذلك عليهم أن يقرروا إما الرحيل معا أو البقاء معا.

ليس لأن علي صالح صديقا للسعودية بذلت السعودية كل ما بوسعها لإبقائة (كما يعتقد كثيرون) فالسياسة ليس فيها صداقة ولا (منع) فقط مصالح (يابسة) باردة بلا قلب ولا عواطف، ربما لم تكره السعودية قياديا يمنيا كما كرهت صالح لكن من نكد الزمان عليها أنه بقي باستمرار (العدو الذي مامن صداقته بد)

إن ما حققته الثورة من نصر من خلال المبادرة التي تم توقيعها كان في الواقع نصرا قديما أحرزته الثورة في شهر إبريل قبل ستة أشهر وهو تاريخ طرح المبادرة الحالية، ورفضتها المعارضة وقوي الثورة حينها، لكنها خلال ستة أشهر لم تتمكن من إحراز أي شيئ إضافي، فقط خسائر في المال والأرواح والجهد.

لم يكن التوقيع من قبل المعارضة غباء أوجهلا أو عمالة كما يتهمها البعض، بل كانت قناعة أوصلتهم إليها ستة أشهر من الحرب والتظاهر والتفاوض.. فقد تأكد لهم عمليا أن هذا هو أقصي مايمكنهم الحصول عليه بحسب ما في أيديهم من أوراق، الغباء كان في عدم الفهم إلا من خلال خوض هذه التجربة المريرة.. في سوء التقدير لمدي حجمهم وقوتهم، وهذا يشير إلي استمرار في العجز عن إنتاج الصواب الذي له علاقة بمدي النضج الذي وصلوا إليه، فلم يلتقطوا اللحظة الدقيقة التي يحصلون فيها علي أقصي مايمكن بحسب قدراتهم وبأقل الخسائر.
إن خسائر الستة اشهر الأخيرة هي وحدها ما قلل من قيمة النصر، وجعلت من الممكن لأي مغرض أن يقول: أن الثورة انتصرت شهرين وانهزمت ستة أشهر!!