مبكراً جداً، وفي بدايات التحرك العربي الذي تقوده السعودية لتخليص اليمن من بين أنياب انقلاب طائفي، كتبت إن "عاصفة الحزم" محملة بمشاركين، هم للحوثيين أقرب وأخلص، يطعنون "العاصفة" من داخلها، ويمثلون خطرا عليها.
منذ البداية، كان واضحا أن نظام عبد الفتاح السيسي يقيم علاقته بموضوع "عاصفة الحزم" على أساس كميات الأرز التي يمكن أن يحصل عليها، كنوع من الابتزاز أو الصفاقة الأساسية، قبل أن يكون للأمر علاقة بأية مبادئ أو قيم.
وفي فبراير/ شباط من هذا العام، تجلى الابتزاز السيسي لدول الخليج، في خطوة شديدة الوضوح، مع بدء الحديث عن أن ثمة تفكيرا في وقف "إمدادات الأرز" لسلطة الانقلاب في مصر، إذ بدأ التلويح بشئ من الغزل غير العفيف بين السيسي والحوثي، كانت قمته تعيين سفير مصري جديد في صنعاء، في وقت كانت السلطات الحوثية تعاني فيه من عزلة مع دول الخليج التي سحبت دبلوماسييها بعد الانقلاب الطائفي، وسيطرته على الحكم في اليمن بقوة السلاح.
هذا الأمر اعتبره مراقبون يمنيون نوعاً من المكايدة والابتزاز من عبد الفتاح السيسي للدول الخليجية التي بدأت تراجع مواقفها، على ضوء فضيحة التسريبات الأخيرة، والتي أخذت عناوين من نوعية"السيسي يحتقر الخليج"، ثم "السيسي يحلب الخليج".
الآن .. وبعد شهور من افتضاح حكاية "جنرالات الانقلاب والأرز"، وبعد رحيل الراعي الرئيسي، يمارس نظام السيسي لونا آخر من الابتزاز الخفيف، تقوم فيه ما تسمى "الدبلوماسية الشعبية" بالدور الرئيس، نيابة عن الدبلوماسية الرسمية، إذ يتم تكليف عمرو موسى باستقبال وفد من ميليشيات الرئيس المعزول صالح، فيما تحتضن القاهرة معرضاً للصور والفن التشكيلي لميليشيات الحوثي، للتنديد بالدور السعودي في عاصفة الحزم، ولا بأس هنا من أن تظهر الخارجية المصرية، في دور "آخر من يعلم"، لتحلف "بالنعمة" أن لا علاقة لها بالأمر، وأن موقفها من الشرعية في اليمن لم يتغير.
سيقول هؤلاء عن وفود انقلابيي اليمن بالقاهرة إنها، زيارات غير رسمية، مقطوعة الصلة بالحكومة، وهل كان لإلهام شاهين ويسرا العلايلي، وطابور الممثلين العاطلين الذين رافقوا "المحروس" إلى ألمانيا، صفة رسمية؟
إن المسافة "صفر" بين الرسمي والشعبي في نظام يحكم بالخرافة و"الفهلوة"، وبالتالي، لا يمكن لعاقل أن يصدق أن السلطة التي تمنع صحافيين أوروبيين من الدخول، لا تعلم صلة له باستضافة الحوثيين.
ويمكنك اعتبار هذا الأداء الدبلوماسي الركيك نقلا حرفيا من " كتاب الألعاب السياسية للمبتدئين" طبعة الخمسينيات والستينيات، على أكثر تقدير، وخصوصا مع هذه الخيبة الثقيلة التي يغوص فيها نظام السيسي، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، على نحو بدا معه، أمام من تبقى من داعمين إقليميين، عبئا عليهم، يأخذ مصر إلى ما لا تستطيع تحمل عواقبه، المنطقة العربية كلها.
بدأت "عاصفة الحزم" عملية تتمتع بمقومات حضارية وسياسية وإنسانية محترمة، وهي على الأقل عملية أكثر وضوحا وملاءمة سياسية واستراتيحية، واتساقا أخلاقيا من العمليات القذرة التي أحبتها طهران وأيدتها ضد العراق في العام 2003، أو تلك التي تحبها وتفضلها حاليا، والتي تستهدف "داعش" في العراق وسورية، بل وتوفر كل صور الدعم لـ"دواعش ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية".
مبكرا تساءلت: هل يتحمل الخليج العربي هذه الرقصة الماجنة بين السيسي والحوثي؟ وهل هي الرقصة الأخيرة؟
الآن، يبدو أن الرقصة مستمرة.