منذ الرابع والعشرين من أغسطس/آب 2012، دارت ماكينات الانقلاب على أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، بقيادة زعيم الثورة المضادة المختبئ في أبو ظبي، أحمد شفيق.
لم يكن قد مر على الدكتور محمد مرسي رئيسا في قصر الاتحادية شهران، حين تحركت عناصر الدولة العميقة لإسقاطه، إذ لم تتحمل طبقة إقطاع نظام مبارك أن يسكن قصر الرئاسة فلاح من الشعب، مدني لا عسكري، وأيضا ذو لحية، فكانت رسائل النية في إزاحته في وقت مبكر للغاية.
في اليوم التالي لممارسة محمد مرسي مهامه في قصر الحكم، أن كنت ضمن وفد من الجبهة الوطنية التي تشكلت عقب انتهاء الاقتراع، في جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة، لمنع تزوير النتائج، وأذكر أن معظم الحضور لم يتمكن من تناول كوب شاي، أو فنجان من القهوة في ضيافة رئيس الجمهورية، والسبب أن السكان السابقين جردوا مطبخ القصر من محتوياته، نوعاً من التحية الحارة للوافد الجديد، من عامة الشعب، وكان الرئيس، كلما سأله أحدنا سؤالا عن المستقبل، ينظر إلى السقف، ويخفض صوته، في إيماءة إلى استشعاره أن لحوائط القصر عيون وآذان.
ومنذ انطلاق أعمال الثورة المضادة، وحتى ما بعد أحداث الاتحادية، كان عنوان المحاولة الانقلابية هو الجنرال أحمد شفيق، مرشح فلول ثورة يناير الخاسر، ولعل الخطأ القاتل الذي وقع فيه الدكتور مرسي ومؤيدوه أنهم ظلوا على قناعة راسخة بأن الخطر على تجربة الحكم الجديدة مصدره، فقط، مقر إقامة الجنرال الهارب.
في بدايات التحرك للتظاهر عند قصر الاتحادية، وتحديدا في 12 نوفمبر/ تشرين ثاني 2012، وتحت عنوان "من هو رئيس مصر 2013"، قلت "والحاصل أننا نعيش، الآن، مرحلة زرع الألغام، وتفخيخ الأرض، تمهيداً لانفجار كبير، تتم عملية صناعته هذه الأيام، خارج مصر وداخلها، بحيث لا تأتي الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، إلا وقد انهدم كل شيء، لتعود الغربان تنعق في طول البلاد وعرضها، وتحتفل بالانتصار.
وحسب روايات متعددة قادمة من خارج مصر، فإن خصوم الثورة يحتشدون، الآن، ويضخون أموالاً بلا طائل، لتصنيع حالة من الخراب والانفلات والفوضى في الداخل، بل إن بعضهم بدأ تسريب أنباء عن اقتراب العودة للهيمنة على البلاد والعباد، نوعاً من الحرب النفسية الدائرة على قدم وساق، من خلال إشاعة مناخ من الرعب والفزع.
وحسب ما علمت فيما بعد، كانت تفاصيل هذا المخطط لدى الرئيس ومساعديه، غير أن أحداً لم يكن يتخيل، في ذلك الوقت، أن عملية انقضاض على مشروع انقلاب أحمد شفيق، سينفذها وزير الدفاع، لينفرد بالمشهد كله فيما بعد، وتحديداً بعد تشكل جبهة الإنقاذ، بقيادة ثالوث سباق الرئاسة، المحبطين من انتزاع مرسي للمنصب، حمدين صباحي وعمرو موسى ومحمد البرادعي، ولعل هذا ما يفسر انهيار حالة الغزل التي ظهرت فجأة بين الجنرال القابع في الإمارات ورموز "الإنقاذ"، وعلى رأسهم البرادعي.
والحاصل أن "جبهة الإنقاذ" من نوفمبر 2013 وحتى فبراير/ شباط 2013، قد اختبرت قدرتها على الحشد عشرات المرات، إن بالتنسيق مع أحمد شفيق، أو بدونه، وثبت لها وللجميع أنها لو بقيت مائة عام تحاول فلن تفلح.
وبالتالي، توصلوا إلى قناعة بأن الرهان على أحمد شفيق الذي كان يباهي بأنه يمتلك 12 مليون مواطن في "الثورة على الثورة" هو رهان خاسر.
هنا فقط، قرر عبد الفتاح السيسي أن يختطف شعلة الثورة المضادة، ويبدأ في إجراءات الانقلاب على الرئيس الذي اختاره، بغرابة شديدة، وزيرا للدفاع، لإخلاصه وتدينه الظاهري، فكانت الخطوة الأولى دعوة رموز "الإنقاذ" إلى حوار وطني، يقطع به الطريق على جلسات الحوار الوطني، المنعقدة في مقر رئاسة الجمهورية، ومع هرولة الرموز الثورية الكبيرة إلى مقر الدعوة، أيقن السيسي أن الأجواء مهيأة لكي يمتطي ذلك الحراك الذي تأسس على مبدأ وحيد " نتحالف مع الشيطان ولتذهب الثورة للجحيم ولا يبقى محمد مرسي رئيسا" .. ، وقد كان.
ولحكايات الاتحادية بقية..
"العربي الجديد"