تجد سلطة الحكم العسكري في مصر، في الغبار الكثيف المتصاعد من "عاصفة الحزم"، مناخاً مواتياً لكل تواصل عمليات القمع والإرهاب ضد المواطنين، استثماراً لانشغال الرأي العام، في الداخل والخارج، بما يجري في اليمن.
الأوضاع غير الإنسانية التي يعاني منها آلاف المعتقلين والمسجونين السياسيين بلغت حداً يفوق كل الانتهاكات التي عرفها العالم، على مدى تاريخ الأنظمة القمعية، إذ تتحدث الأخبار، كل يوم، عن منع الدواء والطعام عن السجناء، والحرمان من الزيارات. وفي هذا حكى لي أحد أقارب الوزير، محمد علي بشر، أن سلطات السجن صادرت منه قطعة من ورق الكرتون، كان يستعين بها على برودة أرضية السجن القاتلة، ويحكي محامون ومتابعون لأوضاع السجناء السياسيين عن أشكال أخرى من الإهانة والانتهاك. وما يحدث ويحدث مع أسرة الدكتور محمد البلتاجي يقدم دليلاً آخر على أن النظام الحاكم في مصر يمارس عمليات انتهاك القوانين، ولديه شعور بأنه في مأمن من المساءلة، أو من رفع الصوت بالكشف عن سياسات منافية أبسط معايير حقوق الإنسان، أو الاحتجاج، فما الذي يمنعه من استنزال أحكام بالسجن والغرامة المشددة، إذا نطق واحد من أهالي المسجونين بكلمة اعتراض على إهانتهم وابتزازهم، حين يذهبون لزيارة ذويهم؟
غير أن أسوأ وأخطر أشكال سياسات حرق المجتمع وإبادة كل صور المعارضة والاحتجاج فيه، هو إعطاء النظام إشارة الانطلاق لتشكيل مليشيات شعبية، تمارس العنف والإرهاب، برعاية النظام، وبدعوى أنها تساعد الحكومة في الحرب على الإرهاب. وفي هذا زفت واحدة من صحف الانقلاب، أمس، خبراً عن تشكيل أول تنظيم مليشياوي شعبي لمحاربة معارضي النظام، فتقول "المصري اليوم" بكل سرور: أعلن مجموعة من الشباب المصري، الإثنين، إنشاء كيان أطلقوا عليه "حركة مقاومة الإخوان الشعبية حماش"، وانطلاق نشاطه في عدة محافظات لمواجهة ما وصفوه بـ "إرهاب تنظيم الإخوان وفروعه المتمثلة في جماعة أنصار بيت المقدس وداعش والسلفية الجهادية والقاعدة".
وتنقل الصحيفة عن المهندس "أبو رياض"، الأمين العام للحركة الجديدة، قوله "عقدنا نحن المجموعة المؤسسة عدة جلسات تحضيرية، وضعنا فيها نظاماً للحركة، وشكلاً تنظيمياً ومسؤولين عن المحافظات، ولجان بحث وتحر واستقصاء ولجان تدريب وتوعية ولجان عضوية"، مشيراً إلى أن هناك اتفاقاً سرياً بين مؤسسيها على أن تكون سرية، حتى تستطيع القيام بمهامها، بحسب البيان.
الحركة الجديدة منحت مهلة خمسة أيام للمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، كي يكفوا عن نشاطهم، "وإلا سيكون الرد أكبر مما يتوقع أي أحد، خاصة أن أسماء أبناء وبنات قيادات الجماعة معروفة ومتاحة لنا، واستطعنا الحصول على أرقام هواتفهم المحمولة، كما أن الشقق التي تقيم فيها أسرهم معروفة لدينا، كما أن لدينا أرقام وبيانات أكثر من 100 سيارة تمتلكها أسر الإخوان في عدة محافظات، كل هذا سيكون على مرمى نيران حركة مقاومة الإخوان الشعبية، حماش، إن لم ترتدع الجماعة وتكفّ عن الإرهاب".
في أي دولة محترمة، أو نصف محترمة، صدور بيان يدعو إلى الحرب الأهلية، على هذا النحو، يضع كل الجهات المعنية بأمن المجتمع وسلامته في حالة استنفار شديد، فضلاً عن أن النشر بهذا الشكل يتطلب محاسبة فورية للجهة التي تروّج هذا النوع من القنابل المجتمعية، وسرعة البحث والتحري عمن يقفون وراء هذا النشاط، المتطابق تماماً مع مفهوم عمل المليشيات والحركات الخارجة على القانون في المجتمع.
لكنك، إذا وضعت، في الاعتبار، أن رأس النظام شخصياً، يحرّض على هذا النوع من الجنون المجتمعي، وبل أقدم على خطوة تقنين عمل البلطجية، ودمجهم في جهاز الشرطة، فإن مثل هذا الخبر منطقي للغاية، في ظل سلطة اتخذت شعاراً استراتيجياً منذ يومها الأول "فليحرق المجتمع بعضه بعضاً كي يحيا النظام".
والغريب أن النظام الذي يتمسح في عملية الحرب على مليشيات الحوثي، بزعم إنقاذ المجتمع اليمني من إرهابها، هو النظام نفسه الذي يشجع، ويرعى ويبارك، تكوين مليشيات مجتمعية في مصر، لا تختلف كثيراً في منطقها ونشاطها، عما يفعله الحوثيون باليمن.