وأنت تتابع الأداء العاطفي الركيك لعبد الفتاح السيسي، وهو يتحدث عن الإنسانية والحياة والتعايش، لا تنسَ أنه أول من جاء بالعبارة الشهيرة "مفيش حاجة اسمها ضابط يتحاكم"، مطلقا يد الضباط والعساكر في القتل والتعذيب والاغتصاب.
يبدو التماهي كاملاً بين السيسي، صاحب سلطة الأكثر من خمسين ألف معتقل ومحبوس، من المعارضة، وآلاف من القتلى والمصابين، وبين شخصية "علي بيه مظهر" التي قدمها محمد صبحي، كوميديان مبارك والسيسي، قبل عقود، ذلك النصاب الجاهل الفاشل، الذي يقترف مهازل وكوارث، ثم يدّعي أن العالم كله يحاربه، والحظ يعانده.
وليس من قبيل المصادفة أن محمد صبحي صار متحدثاً باسم السيسي، فيما استعار الأخير من صبحي تلك القدرات الدرامية، والأداء التمثيلي الفاقع، المعتمد على الحركات البهلوانية، أكثر من اعتماده على نص محترم.
يتحدث السيسي عن الإنسانية وأعداء الإنسانية، بينما طفل في الخامسة من عمره يجلس على درج منزله الملطخ بدماء والده الذي قتلته قوات "جنرال الإنسانية" في منزله، في منطقة ناهيا، أمام زوجته وأطفاله الأربعة، في واحدة من حملات الحفاظ على الحياة التي يشنها النظام على مصر.
كان يكلم الناس عن الحق في الحياة، متباهياً بانقلابه على من اعتبرهم "أعداء الإنسانية"، بينما يكرر أحد ضحاياه من أطفال المعتقلات محاولة انتحاره في محبسه، بعد أن يئس من النجاة من عمليات الاغتصاب التي يتعرض لها، برعاية الضباط والجنود في الإسكندرية.
يتجاهل المتحدث باسم الإنسانية أن جرائم ضد الإنسانية ترتكب بالجملة، منذ وصوله إلى السلطة، سيراً على جثث وأشلاء، لكي ينعم هو بالحكم، حتى صارت جرائم مثل "سيارة الترحيلات" ومجازر الفض، ومنع العلاج عن أستاذ الطب المعتقل، طارق الغندور، إلى أن فارق الحياة، تحتل مكانا بارزاً في أرشيف المنظمات الدولية المعنية بقضايا حقوق الإنسان.
يطالب السيسي المصريين بالاستمرار في تقديم أرواحهم ثمناً لبقائه في السلطة "لازم لازم إن شالله ما ناكلش عشان نبني بلدنا"، قالها وبجواره يقف معلمه، في أثناء افتتاح مسجد، المشير حسين طنطاوي، وأسنانه بارزة من السعادة، يطالبكم بالجوع كي يبني مسجداً يحمل اسم رجل مبارك الوفي، تكريما له على ما أسداه لمصر من مجازر طوال فترة توليه رئاسة المجلس العسكري.
كان من الممكن اعتبار طلب السيسي من المصريين أن يجوعوا، تعبيراً عن نزعة وطنية حقيقية، لو أنه امتلك الشجاعة وصارحهم بمصير 47 مليارا من الدولارات، حصل عليها من ممولي انقلابه، ولماذا لم يظهر أثرها على حياة شعبه الموعود "بوطن قد الدنيا".
ماذا فعل بالمساعدات والمنح سوى أنه صنع وطنا محترقا، ودمّر وشائج مجتمع، وأدخل الجميع في أتون حروب إبادة وإقصاء، وزرع مساحات هائلة من الكراهية، وجر جيش مصر لحروب شريرة على مصريين وعرب؟
ماذا فعل منذ استولى على الحكم سوى تربية الإرهاب وتسمينه، وتحويل البلاد إلى ساحة للانفجارات، بفعل سياسات خرقاء، تهين العسكرية المصرية، بالقدر ذاته الذي تحتقر به حق الشعب في الحياة.
كان من الممكن أن يقبل المصريون بالجوع والفقر، لو لمسوا أن عندهم قيادة سياسية، لديها مشروع بناء أمة، لا بناء قلاع من الوهم والخرافة، لو أنهم شعروا بأن من يحكمهم يرغب بصدق في أن يعيشوا بكرامة في ظل نظام، كل ما يفعله أنه يسأل العالم إلحافاً، ويمد يداً بالتسول للخارج، والأخرى بالقتل في الداخل.
وشتان بين قائد باكستان ذو الفقار علي بوتو صاحب الصيحة الشهيرة "نجوع أو نأكل العشب حتى نمتلك السلاح النووي" وبين جنرالكم السعيد الذي يطالبكم بالجوع، حتى يبني لكم سجوناً ومعتقلات ويعادي أشقاءكم، ويتحالف مع عدوكم الصهيوني.
إن دماء الجنود التي تسيل في سيناء مثل دماء المدنيين المسفوكة في السجون والشوارع والجامعات، كلها في رقبة جنرال الموت الذي يغني على ربابة الحق في الحياة، ذلك أن المصريين يموتون على يد "أنصار بيت المقدس"، كما يموتون بفعل جرائم "أنصار بيت السيسي".
"العربي الجديد"