الرئيسية / تقارير وحوارات / الجوف اليمنية.. أزيز الرصاص يغيب رنين الوتر
الجوف اليمنية.. أزيز الرصاص يغيب رنين الوتر

الجوف اليمنية.. أزيز الرصاص يغيب رنين الوتر

09 يناير 2016 09:30 صباحا (يمن برس)
منذ نحو خمس سنوات ومحافظة الجوف (شرق اليمن) تشهد صراعات وحروباً ألقت بظلالها على النسيج الاجتماعي لأبناء المحافظة، حيث لم تعد الحياة الاجتماعية وعلاقاتها ونسقها تسير بشكلها الطبيعي؛ في ظل حالة الاحتقان السياسي والقبلي والحزبي والمذهبي، التي تعيشها المحافظة التي تبعد عن العاصمة صنعاء بنحو 170كم.
 
كغيرها من المحافظات اليمنية تبرز في الجوف "جلسات المقيل" (جلسات اجتماعية) كأبرز نشاط اجتماعي يومي، يحضر فيه غالباً عزف العود والأغاني الشعبية، وهو ما يشكل جواً ترفيهياً بعيداً عن منغصات الحياة اليومية.
 
ومع محاولات مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، السيطرة على المحافظة في العام 2011، مستغلة أحداث الثورة الشبابية الشعبية التي أطاحت بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من كرسي الرئاسة، دخلت الجوف في خضم معارك واسعة، قتل فيها المئات، لكنها سجلت فشلاً حوثياً في جعل الجوف المحافظة التالية بعد صعدة خاضعة لسلطة الحوثيين، فضلاً عن أن الجوف من المحافظات التي تبرز فيها الثارات القبلية.
 
كما أنها شهدت بعد انقلاب الحوثيين على السلطة، بالتحالف مع المخلوع صالح، معارك متقطعة في العامين 2014 -2015، وما زالت مستمرة حتى اليوم، لكن المقاومة الشعبية باتت تسيطر على معظم أجزاء المحافظة الواعدة بالثروة النفطية.
 
- ما قبل الاقتتال
 
يستذكر الناشط المجتمعي فهد الحداشي الحياة اليومية للمواطن في الجوف قبل سنوات الحرب والاقتتال، ويقول في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "كان المجلس يكتظ بالمواطنين من كل التوجهات والمكونات والأحزاب، والكل يستمتع بالفن والطرب الشعبي".
 
أما اليوم، يتابع: "فحال اللقاءات الاجتماعية في الجوف ليس كما كان"، مضيفاً: "اليوم الأخ يبغض أخاه لمجرد الاختلاف في الرأي؛ بل أصبحوا أعداء يتواجهون وجهاً لوجه في جبهات القتال".
 
بدوره، يقول المواطن نجيب عبد الله: إن "أزيز الرصاص بات الصوت الذي يتردد صداه في المحافظة، لتختفي أمامه كافة مظاهر الطرب والجلسات الاجتماعية التي تمتاز بها الجوف".
 
- تشتت وانشغال
 
الصحفي عبد الله محمد، المهتم بالشأن الثقافي والاجتماعي، يقول إن الجلسات الشعبية في "مقايل القات" كانت في مناطق كثيرة من اليمن تتميز بحضور آلة العود الموسيقية، التي يعزف عليها فنانون شعبيون من أبناء المناطق نفسها؛ بغرض التسلية وقضاء وقت ممتع بين أفراد المجتمع، وخاصة الأصدقاء والأقارب، وتعد الأعراس الشعبية الجاذب الأكبر لجلسات الغناء بآلة العود.
 
ويرى عبد الله، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "حضور هذه الملامح الفرائحية تراجع خلال الفترة الأخيرة، التي تشهد فيها البلاد حرباً داخلية وخارجية، جعلت من المجتمع يتشتت حول مواجهة تلك الحرب، وحالة الاقتتال الداخلي، التي خلفت أزمات اقتصادية كبيرة وواسعة وصلت إلى كل أُسر المجتمع، الذي بات اهتمامه الأول تأمين أساسيات المعيشة".
 
وأضاف: "كما أن انخراط كثير من الشباب في الحرب الداخلية ساهم في تباعد العلاقات الاجتماعية، وانتشار حالة الحزن العام على فقد الكثير من المقاتلين الشباب، الذين كانوا أساساً في إقامة المجالس الفنية في أوقات الاجتماع المختلفة".
 
- الهجرة إلى الخارج
 
أسباب أخرى دفعت بالأنشطة الثقافية والاجتماعية للتدهور، منها هجرة الفنانين إلى خارج البلاد لتحسين وضعهم المعيشي، في ظل تدني مستوى العائد الذي يتقاضونه.
 
وكذلك فإن الأنشطة التي تنظمها الجهات الحكومية موسمية، وتفتقد للإمكانات اللازمة واللائقة، لا سيما أن مسؤولي الجهاز التنفيذي للمحافظة موجودون في العاصمة صنعاء، ويمارسون مهامهم منها، وهو ما أكده عبد الحكيم سيلان مدير عام مكتب الثقافة بالمحافظة، في تصريحات صحفية سابقة.
 
وتزخر محافظة الجوف بتراث وموروث ثقافي متنوع، لا تزال شواهده حية، فهي أرض لحضارات معين وقتبان وسبأ، فبالإضافة إلى الغناء المصاحب للعزف على العود هناك القصائد الشعرية المصاحبة لآلة الهوش الشبيهة بآلة الناي، وكذلك الرقصات الشعبية التي عرفت بها المحافظة، ومنها رقصة المثلوث، ويؤديها ثلاثة أشخاص، ورقصة الركبة والرقصة الجوفية، لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى اهتمام كبير وتوجه حكومي جاد لإنعاشها.
شارك الخبر