تكشف "العربي الجديد" في تحقيق استقصائي بالوثائق، تفاصيل واحدة من أكبر عمليات فساد شركة صافر النفطية اليمنية، التي تعد المنتج الوطني الوحيد، للنفط والغاز الطبيعي المسال والغاز المنزلي، عبر 50 وثيقة حصلت عليها الجريدة، تميط اللثام وتوثق عمليات استنزاف موارد الشركة، لصالح الحوثيين ومراكز القوى المرتبطة بنظام علي عبدالله صالح، ما أدى إلى ضياع 500 مليون ريال يمني و400 مليون دولار، الأمر الذي أفقد الشركة توازنها وهددها بالانهيار، كما قال وكيل نيابة الأموال الثانية المختصة بقضايا الفساد، رمزي عبدالله شوافي.
يقول وكيل النيابة رمزي شوافي في واحدة من أخطر الوثائق، الموجهة إلى رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في اليمن في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2015، إن القائمين على الشركة تسببوا في عمليات فساد قدرها 500 مليون ريال يمني من أموال الدولة، تم سحبها بمجرد مباشرة عملهم في الشركة، بما يخالف اللوائح المالية والنظم الإدارية وما تقتضيه مصلحة الشركة، ما قد يؤدي إلى انهيار الشركة، وتدمير الاقتصاد الوطني". ويشكل تصدير النفط 70% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة، وفقا لتقرير صدر عن البنك الدولي.
حصة فساد للحوثيين
تمتعت شركة صافر النفطية بنفوذ وحماية مراكز قوى تتبع النظام السابق في اليمن منذ تأسيسها في العام 2005، وظلت تتحكم مراكز القوى تلك، في موارد الشركة وتمنع اخضاعها للرقابة والمحاسبة الحكومية، على الرغم من كونها شركة وطنية وتخضع للقوانين اليمنية، بحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، حصلت عليه العربي الجديد".
رحلة فساد صافر، يستعرضها معد التحقيق بداية من وثيقة، ورد فيها أمر صرف مكتوب كالتالي، "طلعت.. يورد عشرة مليون ريال تبرع للحساب المذكور أدناه في هذه الرسالة في كاك بنك"، وعبر التحري عن "طلعت" المذكور، تبين أنه طلعت الجبلي، مدير القطاع التجاري والمالي في الشركة، فيما تفيد الوثيقة أن المبلغ المذكور (قرابة 47 ألف دولار أميركي) سيذهب إلى اللجنة الإشرافية للتعبئة العامة، والتي تتبع الحوثيين.
بحسب الوثائق، فإن مظاهر العبث وعمليات الفساد، شملت تحويلات بنكية مشبوهة، منها تحويل مبلغ مليون دولار من حساب الشركة في كاك بنك (بنك يمني)، وبحسب وثيقة صادرة عن شركة "صافر" بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2015، وفي أغسطس/آب من العام نفسه، اختفت فجأة أجهزة الكمبيوتر المكتبية من الشركة "مع جميع متعلقاتها"، والتي تحتوي على بيانات الشركة، كما توضح الوثيقة الموقعة من مدير نظام المعلومات والمدير المالي في الشركة.
وشركة "صافر" لعمليات الاستكشاف وإنتاج النفط اليمنية، هي الشركة الوطنية اليمنية الوحيدة العاملة في مجال النفط، وبحسب بيانات صادرة عن الشركة قبل تدهور الحالة الأمنية والسياسية في اليمن، فإن إنتاج الشركة الكلي بلغ ما يقارب (275) الف برميل نفط يومياً. وأُنشأت "صافر" بموجب القانون رقم (18) لسنة 1997، وبدأ النشاط الفعلي للشركة ابتداء من تاريخ 15 نوفمبر 2005.
تهرب ضريبي
بحسب وثيقة مؤرخة بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2015، والصادرة عن إدارة الإقرارات بمصلحة الضرائب، فإن الشركة توقفت عن توريد ما يتم استقطاعه من مرتبات الموظفين إلى مصلحة الضرائب، منذ شهر أغسطس/آب 2015، حتى الآن، بينما تؤكد الوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد" استمرار الشركة في الوقت نفسه، باقتطاع الضرائب من مرتبات الموظفين دون توريدها لمصلحة الضرائب.
تؤكد إدارة الإقرارات بمصلحة الضرائب اليمنية، تهرب الشركة من دفع ضرائب المبيعات منذ العام 2007، عبر وثيقة صدرت في نهاية شهر أكتوبر الماضي، فيما توقفت الشركة كذلك عن دفع ضرائب الأرباح منذ العام 2006. وهو ما يعاقب عليه القانون اليمني بحسب المادة (148) من القانون رقم (17) لسنة 2010 بشأن ضرائب الدخل، والمواد (165،164،163 ،162) من قانون الجرائم والعقوبات.
تواصل معد التحقيق، مع القائم بأعمال مدير الشؤون القانونية في الشركة أيمن مجلي، حول ما سبق، كانت المفاجأة أن مجلي، أكد كل ما ورد في التحقيق من وثائق وبيانات. وعند سؤال مجلي عن قضية التهرب الضريبي للشركة، رد بالقول: " للأسف ذهبت بنفسي إلى مصلحة الضرائب، وتفاجأت بأن المبالغ التي تستقطع من رواتبنا لا يتم توريدها إلى مصلحة الضرائب، أين تورد؟ الله أعلم؟ علي مثنى القائم بأعمال المدير التنفيذي للشركة، وطلعت الجبلي مدير القطاع التجاري والمالي في الشركة، هما من يملكان الحق في توقيع الشيكات والسحب والصرف".
الشركة مهددة بالانهيار
تملك شركة "صافر" ودائع في حساباتها في البنوك، بُددت في ظروف غامضة، خاصة بعد سيطرة الحوثيين عبر ما يسمى بـ"اللجان الثورية" على مؤسسات الدولة وفي ظل الغياب التام للحكومة اليمنية، ومجلس النواب اليمني، الذي قام الحوثيون بحله، عبر ما سُمي بـ"الإعلان الدستوري" الذي أصدروه في فبراير/شباط من العام الحالي، كما تكشف الوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد".
وتكشف الوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد" من بنوك يمنية متعددة، وجود سيولة مالية في حسابات الشركة، لكنها اختفت دون أي تفسير في فترات لاحقة، ما جعل الشركة تمر بظروف صعبة، من بينها وثيقة، صدرت عن مصرف "كاك بنك" بتاريخ 18 فبراير 2015، وتكشف أرقام الودائع الخاصة بالشركة، والمبالغ المستحقة، وتاريخ الاستحقاق لتلك الودائع ومنها وديعة بمبلغ 10,654,061.25 دولاراً، بتاريخ استحقاق في 6 أبريل/نيسان 2015، مثال آخر على امتلاك الشركة لودائع وسيولة مالية في فترات سابقة قبل أن تختفي، صدرت عن بنك اليمن الدولي توضح وجود سيولة مالية في حسابات الشركة، قيمتها 13 مليون ريال يمني، و86 ألف دولار، وهو ما يثبت وجود ودائع خاصة بعمل الشركة بتاريخ 11 يونيو/حزيران 2015، لكن ما يعزز التلاعب في حسابات الشركة المالية، أنه بعد 3 أشهر فقط من تاريخ بعض الوثائق المشار إليها سابقا، أوشكت "صافر" على الانهيار بحسب محضر اجتماع خاص حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، عقد من أجل مناقشة الصعوبات المالية التي تواجه شركة "صافر"، في 2 أغسطس الماضي، في مكتب رئاسة الجمهورية، وبمشاركة محمود الجنيد، مدير مكتب رئاسة الجمهورية المعين من قبل الحوثيين، ووكيل وزارة النفط والمعادن المعين كذلك من قبل الحوثيين الدكتور يحيى العجم، وعضو اللجنة الاقتصادية التابعة لرئاسة الجمهورية إبراهيم المؤيد، وناجي جابر وكيل وزارة المالية، ومطهر محمد مطهر وكيل جهاز الأمن القومي، وعلي عبدالله مثنى القائم بأعمال مدير الشركة، المعين من قبل الحوثيين، وأعضاء آخرين.
خلال الاجتماع أوضح القائم بأعمال المدير التنفيذي لشركة "صافر"، علي عبدالله مثنى، أن الوضع المالي صعب وقد يترتب عليه نتائج كارثية نهاية الشهر الحالي، إلا أن ناجي جابر، وكيل وزارة المالية، جادل بالقول إن شركة "صافر" حصلت على موارد مالية تجاوزت 392 مليون دولار من الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال خلال الثلاثة أعوام الأخيرة، ولم تفصح عنها للوزارة. وأن الشركة رفعت المرتبات وتجاوزت في صرف النفقات غير المبررة وبدون التنسيق مع الوزارة.
إهدار متواصل لأموال الشركة
في أغسطس الماضي، وجه علي عبدالله مثنى، القائم بأعمال المدير العام التنفيذي للشركة، بالتصالح في قضية مرفوعة ضد الشركة من حراس لأرض تملكها صافر، غير مرتبطين بعقود توظيف مع الشركة، وعددهم 19 شخصاً، وبالرغم من كون موقف الشركة جيدا في القضية بحسب ما يراه المستشار القانوني محمد علي الشاوش، الذي تستفيد الشركة من خدمات مكتبه، إلا أن القائم بأعمال المدير التنفيذي وجه الشؤون القانونية في الشركة بعمل اتفاق صلح، يقضي بصرف ما يقارب 100 مليون ريال يمني (465 ألف دولار) للحراس مقابل تنازلهم عن القضية، وهو ما جعل مدير الشؤون القانونية، أيمن مجلي، يرفض إبرام الصلح في رسالة وجهها للقائم بأعمال المدير العام التنفيذي بتاريخ 29 أغسطس 2015، أوضح فيها أن الصلح يناقض وضع الشركة الجيد في القضية ويخالف أحكام القانون الذي يصنف القضية ضمن قضايا الدولة، وبحسب المادة (11) من القانون رقم (30) لسنة 1996، فيما يتعلق بإجراءات الصلح في قضايا الدولة أن وزارة الشؤون القانونية هي المعنية بالنظر في أي صلح والتقرير في الصلح أو الاستمرار في القضية.
أيمن مجلي، مدير الشؤون القانونية في الشركة قال لـ"العربي الجديد": "المسألة واضح أنها سرقة للمال العام، ويتضح ذلك من خلال المخالفة الصريحة للقانون فيما يخص أمور التصالح في قضايا الدولة، وعدم قانونية أي تصالح يوقع من قبل القائم بأعمال المدير التنفيذي للشركة، ومن خلال الموقف القانوني الخاص بالشركة (الجيد) والذي رفعته في مذكرة رسمية، فإن مسألة منح الطرف الآخر مبلغ (100) مليون ريال، فساد وسرقة واضحة ولن يكون المبلغ بالكامل للحراس، وإنما جزء بسيط والجزء الأكبر سيكون لمن ينهبون الشركة".
وكان وكيل نيابة الأموال العامة الخاصة بقضايا الفساد رمزي عبدالله الشوافي، قد وجه في أكتوبر من العام الحالي، كتابا رسميا، بتاريخ 27 أكتوبر، إلى القائم بأعمال مدير شركة صافر، بإيقاف صرف أي مبالغ مالية بشأن قضية التصالح، وحمل القائم بأعمال المدير التنفيذي للشركة علي مثنى مسؤولية صرف أي مبالغ للتصالح، مع المذكورين.
ويكشف أيمن مجلي، القائم بأعمال المدير القانوني في شركة صافر، عن تسهيل القائمين على الشركة، لعمليات الاستيلاء على مبلغ يزيد عن (50) مليون ريال شهرياً 233 ألف دولار أميركي (تحت مسمى حراسات وأمنيات للإدارة العامة في الشركة.
وفي بلاغ آخر مقدم للنائب العام، أكد مجلي صرف مبلغ (400) ألف ريال (1900 دولار أميركي) يوميا، دون وجود أي مستند شرعي أو قانوني للصرف أو حتى وثيقة تثبت استلام المبلغ، الموجه إلى (اللجان الثورية) التابعة للحوثيين.
غياب الرقابة الحكومية
تخضع شركة "صافر" للقوانين المالية والإدارية اليمنية، كونها شركة وطنية يمنية، لكنها وبالرغم من ذلك عمدت إلى تعيين مكاتب محاسبين قانونيين بغرض القيام بأعمال المراجعة الداخلية للحسابات المالية الخاصة بالشركة، واعتمدت عليهم في المصادقة على المركز المالي للشركة.
المحامي محمد السلامي، المتخصص في قضايا الفساد، أكد لـ"العربي الجديد" أن اعتماد صافر على محاسبين قانونيين من خارج الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، يخالف المادة رقم (32) من قانون الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة رقم (39) لسنة 1992، والمادة رقم (66) من القانون المالي رقم (8) لسنة 1990، واللتين تؤكدان أن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة هو المختص دون غيره في تعيين المحاسبين القانونيين لمراجعات المؤسسات والشركات العامة.
السلامي يؤكد أن "اعتماد الشركة على محاسبين من خارج الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، يعني عمليات مراجعة داخلية لحسابات الشركة من قبل المحاسبين المتعاقد معهم، وغياب الرقابة المالية الحكومية على الشركة والتلاعب في حساباتها". ويضيف السلامي: "إعتماد شركة صافر على محاسبين قانونيين من خارج الجهاز، يزيد من صعوبة تتبع موارد الشركة ونفقاتها، وغياب الرقابة على الشركة يساهم في تسهيل عمليات فساد وإهدار المال العام".
عمليات شراء وهمية بملايين الدولارات
تبخرت مبالغ كبيرة من حسابات شركة صافر، دون وجود ما يثبت إنفاقها، في عمليات شراء قام بها المسؤولين بالشركة، إذ لا يوجد أي وثائق تثبت عمليات الشراء، في ظل غياب أي رقابة من قبل الحكومة اليمنية وتساهلها مع المسؤولين عن الشركة، كما تكشف الوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد".
وبحسب الوثائق، تمت عملية تحويل لملايين الدولارات لحساب شركات مختلقة، بتوقيع موظف واحد وبدون وجود أية عقود بين شركة صافر وبين المورد، وغابت أية ضمانات لعملية الشراء، بل إن بعض عمليات الشراء تم تحويل المبلغ بالكامل قبل حدوث أي عمليات توريد للشركة.
كما غابت كل الشروط الواجب توافرها في أي عقود توريد أقرتها لوائح الحكومة اليمنية، والتي تستوجب إعلان مناقصات، وتحليلاً للعروض المقدمة من عدة شركات، وضمان حصول الشركة على حقوقها في حال لم تنفذ بنود العقود الخاصة بالشراء، ومن تلك العمليات وعلى سبيل المثال لا الحصر، قيام الشركة بتحويل خارجي (لحساب كومرز بنك فرانكفورت) بمبلغ (2,641,245) دولار بموجب سند رقم 1201110334، وذلك مقابل شراء مواد كاتالايست وبلاتنيوم لمخزون المصافي من شركة UOP CH SART.
يعلق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، على العملية السابقة، أنه لاحظ عدم إرفاق طلب الشراء من المصافي وتم الاكتفاء بطلب شراء مطبوع آلياً من النظام الخاص بالشركة، بدون توقيع الجهة الطالبة، بالإضافة إلى ذلك، عدم إرفاق المحاضر والأوليات اللازمة التي بموجبها تم إرساء العطاء وهو ما يخالف القانون.
كما كشف الجهاز أنه سبق وأن تم إعداد أمر شراء برقم 5006201 (والسند غير مرفق في سجلات الشركة) (عمليات شراء وهمي)، وتم إعداد أمر شراء معدل (بنفس الرقم) المذكور مرة ثانية، ويلاحظ أنه بالرغم من أن الفواتير المذكورة تمثل دفعة مقدمة إلا أنه تم صرف المبلغ مباشرة بتحويل خارجي للمورد دون أي ضمان مقدم من المورد بإتمام عملية البيع، بل إن الصرف تم على أساس يوحي أن المورد قد أكمل توريد المواد المطلوبة حيث تم إرفاق (تقرير استلام مواد) مطبوع أليا من النظام الداخلي لشركة صافر، لكنه غير موقع من أي جهة.
وتكشف الوثائق، عدم وجود توقيع للمخولين بالصرف على استمارة الصرف، كما يُظهر، اشعار القيد الخاص بالحوالة البنكية من قبل "بنك الإنشاء والتعمير اليمني" أنه تم التحويل لحساب "كومرز بنك فرانكفورت" ويلاحظ أن الرقم واسم البنك يختلف عن رقم الحساب واسم البنك المذكور في الفواتير الخاصة بإتمام عمليات الشراء.
عمليات صرف غير واقعية
تتم العمليات المالية، في شركة صافر، بدون مراعاة أي قوانين أو لوائح تنظم عمليات الشراء، مثل ما حدث في صرف مبلغ قدره 1,293,873,31 دولاراً بموجب سند رقم 2011140992، قيمة شراء أنابيب فولاذية (للآبار) من شركة فوسيت الباين توبولار، ومن خلال المراجعة لاحظ معد التحقيق، عدم الالتزام بالإجراءات القانونية، لعمليات الشراء المتبعة من قبل الشركة والتي تم بموجبها إرساء العطاء على الشركة، بالأمر المباشر، دون إجراء مناقصة، ما يؤكد شبهات الفساد، بحسب الجهاز المركزي للرقابة.
ويكشف الجهاز المركزي أن الأمر رقم 5003633، لا يوجد عليه ختم إدارة الشراء وفقا للائحة المشتريات الخاصة بالشركة، فيما لم يتم إرفاق محاضر الاستلام والتوريد المخزني، وعدم وجود ختم وتوقيع لقسم المراجعة الداخلية على وثائق الصرف، كما أن سند الصرف تم توقيعه من قبل موظف واحد فقط، دون اعتماده من باقي المخولين باعتماد الصرف واللازم توقيعهم على فواتير الموردين، وهو ما تكرر في صرف الشركة مبلغ (1,192,500) دولار، بموجب سند رقم 1201011121، قيمة "بيبات" من شركة "يوسكو فور أويل اند جاز فيلد تكنيكال سيرفيسز".
ويتضح من خلال الجهاز المركزي، عدم الالتزام بالإجراءات المتبعة لإرساء العطاء على شركة "يوسكو"، كما أنه لا يوجد طلب شراء قانوني، وتم الاكتفاء بورقة مطبوعة من النظام آلياَ، بالإضافة إلى ذلك فإنه لا يوجد عقد بين المورد والشركة يضمن التوريد، بالإضافة إلى عدم إرفاق صورة الشيك أو استلام الشركة الموردة.
ويصنف اليمن ضمن أفقر البلدان في العالم، وساهمت الاضطرابات السياسية وارتفاع مستويات العنف وغياب الأمن والاستقرار في البلاد، في تقويض النمو الاقتصادي. كما أن اليمن من بين الدول العشر، الأكثر فساداً في العالم، واحتل المرتبة (161) من بين الدول الأقل شفافية والأكثر فساداً في العالم، وفقاً لمؤشر منظمة الشفافية الدولية للعام 2014.
الثروة الضائعة
تكشف الوثائق ارتباط شركة "صافر" بالعديد مِن ملفات الفساد في القطاع النفطي ومنها تفاصيل صفقة "الغاز المسال" الشهيرة، والتي حصلت العام 2005، في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
اليمن بحسب الاتفاقية السارية المفعول لمدة عشرين عاما، يبيع سنوياً (5.7) ملايين طن متري سنوياً من الغاز المسال لشركة "توتال" الفرنسية وبسعر (2.8) دولار لشركة كوغاز الكورية، لكل مليون وحدة حرارية، بعكس ما نشر من أن العقد المبرم مع كوغاز الكورية قيمته (3.15) دولار للمليون وحدة حرارية بحسب وثيقة مرفقة، وبقدر ما يصدر اليمن غازه المسال بسعر التراب، يستورده بأضعاف ثمنه (13.5) دولار.
وفي وقت سابق، أقرّت الحكومة اليمنية والتي كان يترأسها محمد باسندوة، في بيان رسمي، بوجود فساد في صفقة بيع الغاز الطبيعي المسال قائلة إن "هناك شكوكاً متعلقة بقيام النظام السابق، الذي تزعمه الرئيس علي عبدالله صالح، ببيع الغاز لشركة توتال الفرنسية بدولار واحد لكل مليون وحدة حرارية وللشركة الكورية كوغاز بثلاثة دولارات وخمسة عشر سنتاً، فيما كانت الأسعار السائدة آنذاك تراوح بين 11 و12 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية.
مصادر مقربة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، رفضت الاتهامات، مطالبة بإحالة الملف إلى القضاء، ومحاكمة المتورطين. وبحسب محضر تحقيق لنيابة الأموال العامة مع مدير شركة الغاز المسال اليمنية (YLNG)، في سبتمبر/أيلول 2014، فإن جميع منشآت قطاع (18) "صافر" (بمأرب)، بما فيها الآبار الإنتاجية، قُدمت مجاناً لمشروع تصدير الغاز المسال دون أي مقابل، وعلى الرغم من أن الدولة دفعت تكاليفها، إلا أن بنود العقد كانت مُجحفة بحق اليمن.
محضر التحقيق يؤكد أن شركة "صافر" استلمت من شركة (YLNG) مبلغ (400) مليون دولار (وهو ما ذكره وكيل وزارة المالية سابقا في الوثيقة السابقة وقال إنها تجاوزت392 مليونا)، مقابل الخدمات والتكاليف التشغيلية التي تنازلت عنها مسبقاً في صفقة الغاز، وهذا المبلغ الذي دفع لشركة "صافر" بحسب الوثيقة المرفقة، ليس له أي ذكر في بيانات الشركة المالية، وهذا ما ذكره وكيل وزارة المالية بالقول أن الشركة لم تفصح للوزارة عن هذه المبالغ بحسب الوثيقة السابقة.
الدكتور محمد عيسى، خبير اقتصادي ومتابع لملف الغاز والنفط، قال لـ"العربي الجديد": "ما جرى في صفقة الغاز كارثة اقتصادية في حق بلد كان ينتظر أن ينتشله مشروع الغاز المسال من مشاكله الاقتصادية الناتجة من الفساد وغياب الاستثمار بسبب تدهور الوضع الأمني. فشركة توتال للأسف تمت معاملتها في الاتفاقية بشكل يحيطه الفساد من كل جانب، وأعطتها الاتفاقية الحق في أن تكون شريكا وأن تنفذ وتشغل وتبيع الغاز المسال، وللأسف هي من تشتريه، كل هذا في الوقت نفسه".
ويتابع عيسى "اتفاقية شركة توتال لا يوجد بها بند يعطي اليمن الحق في تعديل الأسعار حال اكتشف أنها مجحفة، وبموجب الاتفاقية ستبقى أسعار الغاز المسال اليمني لمدة عشرين عاما بدولار واحد للمليون وحدة حرارية، وهذا تدمير للبلد واستنزاف لثرواته وبيعها ببلاش بدون مقابل يذكر". واختتم قائلاً "يجب أن يعاد تصحيح الاتفاقية بأي شكل من الأشكال لرفد الاقتصاد الوطني بمليار دولار إضافية يخسرها سنوياً من خلال اتفاقية الغاز المسال مع شركة توتال الفرنسية".
ووفقا لما كشفه "العربي الجديد" فإن صناعة النفط اليمنية، تحمل عبئا كبيرا من هذا الفساد، الذي يحول بين اليمنيين والمصدر الوحيد للدخل والذي بإمكانه المساهمة في تحسين حياتهم.
"العربي الجديد"
يقول وكيل النيابة رمزي شوافي في واحدة من أخطر الوثائق، الموجهة إلى رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في اليمن في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2015، إن القائمين على الشركة تسببوا في عمليات فساد قدرها 500 مليون ريال يمني من أموال الدولة، تم سحبها بمجرد مباشرة عملهم في الشركة، بما يخالف اللوائح المالية والنظم الإدارية وما تقتضيه مصلحة الشركة، ما قد يؤدي إلى انهيار الشركة، وتدمير الاقتصاد الوطني". ويشكل تصدير النفط 70% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة، وفقا لتقرير صدر عن البنك الدولي.
حصة فساد للحوثيين
تمتعت شركة صافر النفطية بنفوذ وحماية مراكز قوى تتبع النظام السابق في اليمن منذ تأسيسها في العام 2005، وظلت تتحكم مراكز القوى تلك، في موارد الشركة وتمنع اخضاعها للرقابة والمحاسبة الحكومية، على الرغم من كونها شركة وطنية وتخضع للقوانين اليمنية، بحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، حصلت عليه العربي الجديد".
رحلة فساد صافر، يستعرضها معد التحقيق بداية من وثيقة، ورد فيها أمر صرف مكتوب كالتالي، "طلعت.. يورد عشرة مليون ريال تبرع للحساب المذكور أدناه في هذه الرسالة في كاك بنك"، وعبر التحري عن "طلعت" المذكور، تبين أنه طلعت الجبلي، مدير القطاع التجاري والمالي في الشركة، فيما تفيد الوثيقة أن المبلغ المذكور (قرابة 47 ألف دولار أميركي) سيذهب إلى اللجنة الإشرافية للتعبئة العامة، والتي تتبع الحوثيين.
بحسب الوثائق، فإن مظاهر العبث وعمليات الفساد، شملت تحويلات بنكية مشبوهة، منها تحويل مبلغ مليون دولار من حساب الشركة في كاك بنك (بنك يمني)، وبحسب وثيقة صادرة عن شركة "صافر" بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2015، وفي أغسطس/آب من العام نفسه، اختفت فجأة أجهزة الكمبيوتر المكتبية من الشركة "مع جميع متعلقاتها"، والتي تحتوي على بيانات الشركة، كما توضح الوثيقة الموقعة من مدير نظام المعلومات والمدير المالي في الشركة.
وشركة "صافر" لعمليات الاستكشاف وإنتاج النفط اليمنية، هي الشركة الوطنية اليمنية الوحيدة العاملة في مجال النفط، وبحسب بيانات صادرة عن الشركة قبل تدهور الحالة الأمنية والسياسية في اليمن، فإن إنتاج الشركة الكلي بلغ ما يقارب (275) الف برميل نفط يومياً. وأُنشأت "صافر" بموجب القانون رقم (18) لسنة 1997، وبدأ النشاط الفعلي للشركة ابتداء من تاريخ 15 نوفمبر 2005.
تهرب ضريبي
بحسب وثيقة مؤرخة بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2015، والصادرة عن إدارة الإقرارات بمصلحة الضرائب، فإن الشركة توقفت عن توريد ما يتم استقطاعه من مرتبات الموظفين إلى مصلحة الضرائب، منذ شهر أغسطس/آب 2015، حتى الآن، بينما تؤكد الوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد" استمرار الشركة في الوقت نفسه، باقتطاع الضرائب من مرتبات الموظفين دون توريدها لمصلحة الضرائب.
تؤكد إدارة الإقرارات بمصلحة الضرائب اليمنية، تهرب الشركة من دفع ضرائب المبيعات منذ العام 2007، عبر وثيقة صدرت في نهاية شهر أكتوبر الماضي، فيما توقفت الشركة كذلك عن دفع ضرائب الأرباح منذ العام 2006. وهو ما يعاقب عليه القانون اليمني بحسب المادة (148) من القانون رقم (17) لسنة 2010 بشأن ضرائب الدخل، والمواد (165،164،163 ،162) من قانون الجرائم والعقوبات.
تواصل معد التحقيق، مع القائم بأعمال مدير الشؤون القانونية في الشركة أيمن مجلي، حول ما سبق، كانت المفاجأة أن مجلي، أكد كل ما ورد في التحقيق من وثائق وبيانات. وعند سؤال مجلي عن قضية التهرب الضريبي للشركة، رد بالقول: " للأسف ذهبت بنفسي إلى مصلحة الضرائب، وتفاجأت بأن المبالغ التي تستقطع من رواتبنا لا يتم توريدها إلى مصلحة الضرائب، أين تورد؟ الله أعلم؟ علي مثنى القائم بأعمال المدير التنفيذي للشركة، وطلعت الجبلي مدير القطاع التجاري والمالي في الشركة، هما من يملكان الحق في توقيع الشيكات والسحب والصرف".
الشركة مهددة بالانهيار
تملك شركة "صافر" ودائع في حساباتها في البنوك، بُددت في ظروف غامضة، خاصة بعد سيطرة الحوثيين عبر ما يسمى بـ"اللجان الثورية" على مؤسسات الدولة وفي ظل الغياب التام للحكومة اليمنية، ومجلس النواب اليمني، الذي قام الحوثيون بحله، عبر ما سُمي بـ"الإعلان الدستوري" الذي أصدروه في فبراير/شباط من العام الحالي، كما تكشف الوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد".
وتكشف الوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد" من بنوك يمنية متعددة، وجود سيولة مالية في حسابات الشركة، لكنها اختفت دون أي تفسير في فترات لاحقة، ما جعل الشركة تمر بظروف صعبة، من بينها وثيقة، صدرت عن مصرف "كاك بنك" بتاريخ 18 فبراير 2015، وتكشف أرقام الودائع الخاصة بالشركة، والمبالغ المستحقة، وتاريخ الاستحقاق لتلك الودائع ومنها وديعة بمبلغ 10,654,061.25 دولاراً، بتاريخ استحقاق في 6 أبريل/نيسان 2015، مثال آخر على امتلاك الشركة لودائع وسيولة مالية في فترات سابقة قبل أن تختفي، صدرت عن بنك اليمن الدولي توضح وجود سيولة مالية في حسابات الشركة، قيمتها 13 مليون ريال يمني، و86 ألف دولار، وهو ما يثبت وجود ودائع خاصة بعمل الشركة بتاريخ 11 يونيو/حزيران 2015، لكن ما يعزز التلاعب في حسابات الشركة المالية، أنه بعد 3 أشهر فقط من تاريخ بعض الوثائق المشار إليها سابقا، أوشكت "صافر" على الانهيار بحسب محضر اجتماع خاص حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، عقد من أجل مناقشة الصعوبات المالية التي تواجه شركة "صافر"، في 2 أغسطس الماضي، في مكتب رئاسة الجمهورية، وبمشاركة محمود الجنيد، مدير مكتب رئاسة الجمهورية المعين من قبل الحوثيين، ووكيل وزارة النفط والمعادن المعين كذلك من قبل الحوثيين الدكتور يحيى العجم، وعضو اللجنة الاقتصادية التابعة لرئاسة الجمهورية إبراهيم المؤيد، وناجي جابر وكيل وزارة المالية، ومطهر محمد مطهر وكيل جهاز الأمن القومي، وعلي عبدالله مثنى القائم بأعمال مدير الشركة، المعين من قبل الحوثيين، وأعضاء آخرين.
خلال الاجتماع أوضح القائم بأعمال المدير التنفيذي لشركة "صافر"، علي عبدالله مثنى، أن الوضع المالي صعب وقد يترتب عليه نتائج كارثية نهاية الشهر الحالي، إلا أن ناجي جابر، وكيل وزارة المالية، جادل بالقول إن شركة "صافر" حصلت على موارد مالية تجاوزت 392 مليون دولار من الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال خلال الثلاثة أعوام الأخيرة، ولم تفصح عنها للوزارة. وأن الشركة رفعت المرتبات وتجاوزت في صرف النفقات غير المبررة وبدون التنسيق مع الوزارة.
إهدار متواصل لأموال الشركة
في أغسطس الماضي، وجه علي عبدالله مثنى، القائم بأعمال المدير العام التنفيذي للشركة، بالتصالح في قضية مرفوعة ضد الشركة من حراس لأرض تملكها صافر، غير مرتبطين بعقود توظيف مع الشركة، وعددهم 19 شخصاً، وبالرغم من كون موقف الشركة جيدا في القضية بحسب ما يراه المستشار القانوني محمد علي الشاوش، الذي تستفيد الشركة من خدمات مكتبه، إلا أن القائم بأعمال المدير التنفيذي وجه الشؤون القانونية في الشركة بعمل اتفاق صلح، يقضي بصرف ما يقارب 100 مليون ريال يمني (465 ألف دولار) للحراس مقابل تنازلهم عن القضية، وهو ما جعل مدير الشؤون القانونية، أيمن مجلي، يرفض إبرام الصلح في رسالة وجهها للقائم بأعمال المدير العام التنفيذي بتاريخ 29 أغسطس 2015، أوضح فيها أن الصلح يناقض وضع الشركة الجيد في القضية ويخالف أحكام القانون الذي يصنف القضية ضمن قضايا الدولة، وبحسب المادة (11) من القانون رقم (30) لسنة 1996، فيما يتعلق بإجراءات الصلح في قضايا الدولة أن وزارة الشؤون القانونية هي المعنية بالنظر في أي صلح والتقرير في الصلح أو الاستمرار في القضية.
أيمن مجلي، مدير الشؤون القانونية في الشركة قال لـ"العربي الجديد": "المسألة واضح أنها سرقة للمال العام، ويتضح ذلك من خلال المخالفة الصريحة للقانون فيما يخص أمور التصالح في قضايا الدولة، وعدم قانونية أي تصالح يوقع من قبل القائم بأعمال المدير التنفيذي للشركة، ومن خلال الموقف القانوني الخاص بالشركة (الجيد) والذي رفعته في مذكرة رسمية، فإن مسألة منح الطرف الآخر مبلغ (100) مليون ريال، فساد وسرقة واضحة ولن يكون المبلغ بالكامل للحراس، وإنما جزء بسيط والجزء الأكبر سيكون لمن ينهبون الشركة".
وكان وكيل نيابة الأموال العامة الخاصة بقضايا الفساد رمزي عبدالله الشوافي، قد وجه في أكتوبر من العام الحالي، كتابا رسميا، بتاريخ 27 أكتوبر، إلى القائم بأعمال مدير شركة صافر، بإيقاف صرف أي مبالغ مالية بشأن قضية التصالح، وحمل القائم بأعمال المدير التنفيذي للشركة علي مثنى مسؤولية صرف أي مبالغ للتصالح، مع المذكورين.
ويكشف أيمن مجلي، القائم بأعمال المدير القانوني في شركة صافر، عن تسهيل القائمين على الشركة، لعمليات الاستيلاء على مبلغ يزيد عن (50) مليون ريال شهرياً 233 ألف دولار أميركي (تحت مسمى حراسات وأمنيات للإدارة العامة في الشركة.
وفي بلاغ آخر مقدم للنائب العام، أكد مجلي صرف مبلغ (400) ألف ريال (1900 دولار أميركي) يوميا، دون وجود أي مستند شرعي أو قانوني للصرف أو حتى وثيقة تثبت استلام المبلغ، الموجه إلى (اللجان الثورية) التابعة للحوثيين.
غياب الرقابة الحكومية
تخضع شركة "صافر" للقوانين المالية والإدارية اليمنية، كونها شركة وطنية يمنية، لكنها وبالرغم من ذلك عمدت إلى تعيين مكاتب محاسبين قانونيين بغرض القيام بأعمال المراجعة الداخلية للحسابات المالية الخاصة بالشركة، واعتمدت عليهم في المصادقة على المركز المالي للشركة.
المحامي محمد السلامي، المتخصص في قضايا الفساد، أكد لـ"العربي الجديد" أن اعتماد صافر على محاسبين قانونيين من خارج الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، يخالف المادة رقم (32) من قانون الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة رقم (39) لسنة 1992، والمادة رقم (66) من القانون المالي رقم (8) لسنة 1990، واللتين تؤكدان أن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة هو المختص دون غيره في تعيين المحاسبين القانونيين لمراجعات المؤسسات والشركات العامة.
السلامي يؤكد أن "اعتماد الشركة على محاسبين من خارج الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، يعني عمليات مراجعة داخلية لحسابات الشركة من قبل المحاسبين المتعاقد معهم، وغياب الرقابة المالية الحكومية على الشركة والتلاعب في حساباتها". ويضيف السلامي: "إعتماد شركة صافر على محاسبين قانونيين من خارج الجهاز، يزيد من صعوبة تتبع موارد الشركة ونفقاتها، وغياب الرقابة على الشركة يساهم في تسهيل عمليات فساد وإهدار المال العام".
عمليات شراء وهمية بملايين الدولارات
تبخرت مبالغ كبيرة من حسابات شركة صافر، دون وجود ما يثبت إنفاقها، في عمليات شراء قام بها المسؤولين بالشركة، إذ لا يوجد أي وثائق تثبت عمليات الشراء، في ظل غياب أي رقابة من قبل الحكومة اليمنية وتساهلها مع المسؤولين عن الشركة، كما تكشف الوثائق التي حصلت عليها "العربي الجديد".
وبحسب الوثائق، تمت عملية تحويل لملايين الدولارات لحساب شركات مختلقة، بتوقيع موظف واحد وبدون وجود أية عقود بين شركة صافر وبين المورد، وغابت أية ضمانات لعملية الشراء، بل إن بعض عمليات الشراء تم تحويل المبلغ بالكامل قبل حدوث أي عمليات توريد للشركة.
كما غابت كل الشروط الواجب توافرها في أي عقود توريد أقرتها لوائح الحكومة اليمنية، والتي تستوجب إعلان مناقصات، وتحليلاً للعروض المقدمة من عدة شركات، وضمان حصول الشركة على حقوقها في حال لم تنفذ بنود العقود الخاصة بالشراء، ومن تلك العمليات وعلى سبيل المثال لا الحصر، قيام الشركة بتحويل خارجي (لحساب كومرز بنك فرانكفورت) بمبلغ (2,641,245) دولار بموجب سند رقم 1201110334، وذلك مقابل شراء مواد كاتالايست وبلاتنيوم لمخزون المصافي من شركة UOP CH SART.
يعلق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، على العملية السابقة، أنه لاحظ عدم إرفاق طلب الشراء من المصافي وتم الاكتفاء بطلب شراء مطبوع آلياً من النظام الخاص بالشركة، بدون توقيع الجهة الطالبة، بالإضافة إلى ذلك، عدم إرفاق المحاضر والأوليات اللازمة التي بموجبها تم إرساء العطاء وهو ما يخالف القانون.
كما كشف الجهاز أنه سبق وأن تم إعداد أمر شراء برقم 5006201 (والسند غير مرفق في سجلات الشركة) (عمليات شراء وهمي)، وتم إعداد أمر شراء معدل (بنفس الرقم) المذكور مرة ثانية، ويلاحظ أنه بالرغم من أن الفواتير المذكورة تمثل دفعة مقدمة إلا أنه تم صرف المبلغ مباشرة بتحويل خارجي للمورد دون أي ضمان مقدم من المورد بإتمام عملية البيع، بل إن الصرف تم على أساس يوحي أن المورد قد أكمل توريد المواد المطلوبة حيث تم إرفاق (تقرير استلام مواد) مطبوع أليا من النظام الداخلي لشركة صافر، لكنه غير موقع من أي جهة.
وتكشف الوثائق، عدم وجود توقيع للمخولين بالصرف على استمارة الصرف، كما يُظهر، اشعار القيد الخاص بالحوالة البنكية من قبل "بنك الإنشاء والتعمير اليمني" أنه تم التحويل لحساب "كومرز بنك فرانكفورت" ويلاحظ أن الرقم واسم البنك يختلف عن رقم الحساب واسم البنك المذكور في الفواتير الخاصة بإتمام عمليات الشراء.
عمليات صرف غير واقعية
تتم العمليات المالية، في شركة صافر، بدون مراعاة أي قوانين أو لوائح تنظم عمليات الشراء، مثل ما حدث في صرف مبلغ قدره 1,293,873,31 دولاراً بموجب سند رقم 2011140992، قيمة شراء أنابيب فولاذية (للآبار) من شركة فوسيت الباين توبولار، ومن خلال المراجعة لاحظ معد التحقيق، عدم الالتزام بالإجراءات القانونية، لعمليات الشراء المتبعة من قبل الشركة والتي تم بموجبها إرساء العطاء على الشركة، بالأمر المباشر، دون إجراء مناقصة، ما يؤكد شبهات الفساد، بحسب الجهاز المركزي للرقابة.
ويكشف الجهاز المركزي أن الأمر رقم 5003633، لا يوجد عليه ختم إدارة الشراء وفقا للائحة المشتريات الخاصة بالشركة، فيما لم يتم إرفاق محاضر الاستلام والتوريد المخزني، وعدم وجود ختم وتوقيع لقسم المراجعة الداخلية على وثائق الصرف، كما أن سند الصرف تم توقيعه من قبل موظف واحد فقط، دون اعتماده من باقي المخولين باعتماد الصرف واللازم توقيعهم على فواتير الموردين، وهو ما تكرر في صرف الشركة مبلغ (1,192,500) دولار، بموجب سند رقم 1201011121، قيمة "بيبات" من شركة "يوسكو فور أويل اند جاز فيلد تكنيكال سيرفيسز".
ويتضح من خلال الجهاز المركزي، عدم الالتزام بالإجراءات المتبعة لإرساء العطاء على شركة "يوسكو"، كما أنه لا يوجد طلب شراء قانوني، وتم الاكتفاء بورقة مطبوعة من النظام آلياَ، بالإضافة إلى ذلك فإنه لا يوجد عقد بين المورد والشركة يضمن التوريد، بالإضافة إلى عدم إرفاق صورة الشيك أو استلام الشركة الموردة.
ويصنف اليمن ضمن أفقر البلدان في العالم، وساهمت الاضطرابات السياسية وارتفاع مستويات العنف وغياب الأمن والاستقرار في البلاد، في تقويض النمو الاقتصادي. كما أن اليمن من بين الدول العشر، الأكثر فساداً في العالم، واحتل المرتبة (161) من بين الدول الأقل شفافية والأكثر فساداً في العالم، وفقاً لمؤشر منظمة الشفافية الدولية للعام 2014.
الثروة الضائعة
تكشف الوثائق ارتباط شركة "صافر" بالعديد مِن ملفات الفساد في القطاع النفطي ومنها تفاصيل صفقة "الغاز المسال" الشهيرة، والتي حصلت العام 2005، في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
اليمن بحسب الاتفاقية السارية المفعول لمدة عشرين عاما، يبيع سنوياً (5.7) ملايين طن متري سنوياً من الغاز المسال لشركة "توتال" الفرنسية وبسعر (2.8) دولار لشركة كوغاز الكورية، لكل مليون وحدة حرارية، بعكس ما نشر من أن العقد المبرم مع كوغاز الكورية قيمته (3.15) دولار للمليون وحدة حرارية بحسب وثيقة مرفقة، وبقدر ما يصدر اليمن غازه المسال بسعر التراب، يستورده بأضعاف ثمنه (13.5) دولار.
وفي وقت سابق، أقرّت الحكومة اليمنية والتي كان يترأسها محمد باسندوة، في بيان رسمي، بوجود فساد في صفقة بيع الغاز الطبيعي المسال قائلة إن "هناك شكوكاً متعلقة بقيام النظام السابق، الذي تزعمه الرئيس علي عبدالله صالح، ببيع الغاز لشركة توتال الفرنسية بدولار واحد لكل مليون وحدة حرارية وللشركة الكورية كوغاز بثلاثة دولارات وخمسة عشر سنتاً، فيما كانت الأسعار السائدة آنذاك تراوح بين 11 و12 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية.
مصادر مقربة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، رفضت الاتهامات، مطالبة بإحالة الملف إلى القضاء، ومحاكمة المتورطين. وبحسب محضر تحقيق لنيابة الأموال العامة مع مدير شركة الغاز المسال اليمنية (YLNG)، في سبتمبر/أيلول 2014، فإن جميع منشآت قطاع (18) "صافر" (بمأرب)، بما فيها الآبار الإنتاجية، قُدمت مجاناً لمشروع تصدير الغاز المسال دون أي مقابل، وعلى الرغم من أن الدولة دفعت تكاليفها، إلا أن بنود العقد كانت مُجحفة بحق اليمن.
محضر التحقيق يؤكد أن شركة "صافر" استلمت من شركة (YLNG) مبلغ (400) مليون دولار (وهو ما ذكره وكيل وزارة المالية سابقا في الوثيقة السابقة وقال إنها تجاوزت392 مليونا)، مقابل الخدمات والتكاليف التشغيلية التي تنازلت عنها مسبقاً في صفقة الغاز، وهذا المبلغ الذي دفع لشركة "صافر" بحسب الوثيقة المرفقة، ليس له أي ذكر في بيانات الشركة المالية، وهذا ما ذكره وكيل وزارة المالية بالقول أن الشركة لم تفصح للوزارة عن هذه المبالغ بحسب الوثيقة السابقة.
الدكتور محمد عيسى، خبير اقتصادي ومتابع لملف الغاز والنفط، قال لـ"العربي الجديد": "ما جرى في صفقة الغاز كارثة اقتصادية في حق بلد كان ينتظر أن ينتشله مشروع الغاز المسال من مشاكله الاقتصادية الناتجة من الفساد وغياب الاستثمار بسبب تدهور الوضع الأمني. فشركة توتال للأسف تمت معاملتها في الاتفاقية بشكل يحيطه الفساد من كل جانب، وأعطتها الاتفاقية الحق في أن تكون شريكا وأن تنفذ وتشغل وتبيع الغاز المسال، وللأسف هي من تشتريه، كل هذا في الوقت نفسه".
ويتابع عيسى "اتفاقية شركة توتال لا يوجد بها بند يعطي اليمن الحق في تعديل الأسعار حال اكتشف أنها مجحفة، وبموجب الاتفاقية ستبقى أسعار الغاز المسال اليمني لمدة عشرين عاما بدولار واحد للمليون وحدة حرارية، وهذا تدمير للبلد واستنزاف لثرواته وبيعها ببلاش بدون مقابل يذكر". واختتم قائلاً "يجب أن يعاد تصحيح الاتفاقية بأي شكل من الأشكال لرفد الاقتصاد الوطني بمليار دولار إضافية يخسرها سنوياً من خلال اتفاقية الغاز المسال مع شركة توتال الفرنسية".
ووفقا لما كشفه "العربي الجديد" فإن صناعة النفط اليمنية، تحمل عبئا كبيرا من هذا الفساد، الذي يحول بين اليمنيين والمصدر الوحيد للدخل والذي بإمكانه المساهمة في تحسين حياتهم.
"العربي الجديد"