تواجه العملة الوطنية اليمنية "الريال" تحديات كبيرة ولم تعد قادرة على الصمود أمام الدولار الأمريكي بعد فترة ثبات امتدت لأكثر من ثلاث سنوات، فانهيار الريال أمام الدولار خلال الأيام القليلة الماضية أربك المشهد الاقتصادي المتدهور في البلاد التي تشهد حرباً في محافظات عدة منذ مارس/ آذار الماضي.
الريال اليمني ثبت أمام الدولار الأمريكي منذ مطلع عام 2012، رغم الأزمات التي مر بها اليمن بفضل سياسات مالية جيدة تبنتها حكومة الوفاق الوطني برئاسة باسندوة وإدارة البنك المركزي اليمني التي منعت التعامل بالدولار محلياً، وهو أمر ساهم بشكل كبير في ثبات سعر العملة الوطنية قبل انهيار مفاجئ الأسبوع الماضي.
- أسباب الهبوط
مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أصدر بياناً عزا فيه الهبوط المفاجئ في سعر الريال مقابل الدولار والعملات الصعبة في اليمن بنسبة تفوق 10% إلى تزايد الطلب على الدولار عقب قرار اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين بتعويم أسعار المشتقات النفطية وإتاحة المجال للقطاع الخاص للاستيراد من السوق العالمية.
وأوضح المركز أن تلك الخطوة ضاعفت من الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد اليمني الذي يعاني من تجفيف منابع الحصول على العملة الصعبة حيث توقفت عملية تصدير النفط والغاز الطبيعي والمعادن والبضائع، وكذلك توقفت الاستثمارات الخارجية وقطاع السياحة، كما توقفت المساعدات والمنح الخارجية باستثناء عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية.
الصحفي الاقتصادي عبد الجليل السلمي في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أرجع ارتفاع سعر صرف الريال مقابل الدولار في السوق السوداء أواخر الأسبوع الماضي إلى حالة الهلع التي انتشرت في أوساط المواطنين بعد إشاعة إغلاق ميناء الحديدة ونقل الحركة الملاحية إلى ميناء عدن وهو ما تسبب من تخوفات بشأن حصار اقتصادي شامل على المناطق الشمالية التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي.
- استمرار التراجع يمثل كارثة
واعتبر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أي استمرار في تراجع سعر الريال اليمني بأنه كارثة على المواطنين تفوق الجرعة السعرية المتمثلة برفع الدعم عن المشتقات النفطية، فمثل هذه الحالة ستؤدي إلى زيادة نسبة التضخم ومن ثم زيادة الأسعار وتراجع القيمة الحقيقية للعملة.
ودعا المركز البنك المركزي للقيام بدوره في تشديد الإجراءات الرامية إلى وقف التلاعب بالعملة الصعبة وخلق سوق سوداء، محذراً من أن التساهل قد يؤدي إلى انهيار شامل للاقتصاد اليمني، لا سيما وأنه يعيش مرحلة الانهيار الجزئي عقب سيطرة جماعة الحوثي وحليفها الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على السلطة بالقوة في سبتمبر/ أيلول 2014.
وحث المركز التجار والمستوردين إلى عدم التهافت على شراء الدولار من السوق ومطمئناً المواطنين بأن الدولار لن يشهد ارتفاعات مخيفة في حال واصل البنك المركزي دوره في ضبط التعاملات بالعملة الصعبة من قبل البنوك وشركات الصرافة.
- عوامل الاستقرار
وعن عوامل استقرار العملة اليمنية أمام الدولار في الفترة الماضية قال السلمي: "يرجع استقرار سعر صرف العملة اليمنية الريال خلال الفترة الماضية إلى جملة من العوامل أبرزها تراجع أسعار النفط عالمياً الذي وفر مبالغ كبيرة كانت تدفعها اليمن عند استيراد المشتقات النفطية من الخارج مع تزايد الطلب المحلي".
ومع الحصار الاقتصادي الذي اعتمده التحالف العربي منذ نهاية مارس/ آذار الماضي، انخفضت واردات اليمن من المشتقات النفطية بمعدل 36% خلال النصف الأول من العام الجاري مقابل الفترة نفسها من العام الماضي، حيث تتجاوز دعم المشتقات النفطية 3 مليارات دولار سنوياً.
وبحسب السلمي فإن القيود التي فرضها التحالف العربي على دخول السفن إلى الموانئ اليمنية قلل من استنزاف الاحتياطي النقدي الأجنبي، إضافة إلى أن مصادر تمويلية أخرى دخلت بطريقة غير مباشرة إلى سوق الصرافة اليمنية والممثلة بضخ دول خارجية مبالغ مالية ضخمة لأطراف الصراع في البلاد.
ومن العوامل التي عملت على استقرار سعر الصرف وفقاً للسلمي الإجراءات الاحترازية التي اتخذها البنك المركزي اليمني ومراجعته للسياسة المالية بما يوائم الواقع وكثف دورة الرقابي على البنوك وشركات الصرافة، حيث أوقف البنك في نهاية مارس/ آذار الماضي عمليات المضاربة بالعملات الصعبة في السوق وتكفل بتمويل الشركات والتجار والبنوك بالعملات الصعبة وخلال الفترة اكتفت البنوك والمصارف بشراء العملة الأجنبية من السوق فقط، وامتنعت عن استبدال الريال اليمني بأي عملات أجنبية التزاماً بتعميم البنك المركزي اليمني، وهو ما عزز ثبات أسعار صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.
- سحب للودائع
وأوضح البنك المركزي اليمني في تعميم له للبنوك أنه نظراً لقيام العملاء بسحب مدخراتهم بالعملة الصعبة منذ بدء عمليات "عاصفة الحزم" فإنه يجب عدم التعامل بالنقد الأجنبي في محاولة للحفاظ على سعر العملة اليمنية من الانهيار.
وشهدت البنوك اليمنية خلال الأيام القليلة الماضية إقبالاً كبيراً من قبل العملاء لسحب ودائعهم بالعملات الأجنبية، ومن ثم أوقفت البنوك عمليات السحب لحين تلقي توجيهات من البنك المركزي الذي أوقف أيضاً عمليات السحب من أجهزة الصرف الآلية ومكاتب تحويل الأموال، وامتنعت مكاتب الصرافة أيضاً عن بيع الدولار.
وفي مطلع العام الجاري سجلت احتياطيات اليمن من النقد الأجنبي أدنى مستوى لها على الإطلاق، حيث أظهرت بيانات مالية حكومية صدرت في شهر فبراير/ شباط تراجعاً بنحو 6% في يناير/ كانون الثاني إلى 4.383 مليارات دولار مقارنة مع 4.665 مليارات في ديسمبر/ كانون الأول، منها قرض سعودي بقيمة مليار دولار قدمته السعودية لليمن في عام 2012، ووفقاً للبنك المركزي فإن احتياطاته من النقد الأجنبي ستغطي واردات السوق المحلية من المواد الغذائية الأساسية والمشتقات النفطية لخمسة أشهر.
ويعاني اليمن ضائقة مالية نتيجة تراجع إيرادات النفط التي تشكل 70% من إيرادات البلاد، وكذلك توقف جميع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من أربعة أشهر وقبل ذلك عدم الاستقرار السياسي والأمني منذ سبتمبر/ أيلول 2014.