في بلد يقل دخل الفرد فيه عن 1400 دولار، ولا يتجاوز فيه إجمالي الناتج المحلي 62 مليار دولار، ويقارب عدد سكانه 25 مليون نسمة، يصبح الاستقرار السياسي عاملاً مهماً لإخراج مواطنيه من الفقر المدقع إلى الحياة الكريمة، وبالتالي فالجلوس إلى طاولة المفاوضات يصبح هو الخيار الأفضل بالنسبة لليمنيين، بما في ذلك "جماعة الحوثي" التي زرعت الفوضى في أنحاء البلاد، مستفيدة من الدعم المالي والتسليح والتدريب الإيراني.
وحسب محللين، فإن إيران تحيي "دولة الطائفة" وتقتل "دولة المواطنة" القائمة على التعايش السلمي بين الديانات والأعراق والقبائل، حيث جربت هذا النموذج في لبنان ونجحت فيه، وتمارسه الآن في العراق، وكادت أن تمزق البحرين، وحينما فشلت اتجهت إلى اليمن. كل هذا في سبيل استعادة" امبراطورية فارس" على أنقاض العرب، وبالتالي كان لا بد من التصدي للمد الإيراني في اليمن، لأن اليمن دولة استراتيجية من حيث موقعها في عبور شحنات الطاقة والتجارة لدول العالم.
من هذا المنطلق، انطلقت "عاصفة الحزم"، لتضع "مليشيات الحوثي" الموالية لإيران، بين خيارات الانحياز إلى مستقبل اليمن والقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، أو ارتكاب الخطأ السابق ذاته، وهو الاستمرار في التمرد على الشرعية وزرع الفوضى وتمزيق اليمن وتحويله إلى فضاء مفتوح للإرهاب.
فإيران التي تعتمد عليها "مليشيات الحوثي" مشغولة في الوقت الراهن بمفاوضات "الملف النووي" في سويسرا، حسب توقعات خبراء غربيين، يشيرون إلى أن طهران ستضحي في الغالب بالحوثي في سبيل المصالح المادية الضخمة التي تأمل أن تجنيها من رفع الحظر المالي والاقتصادي على تجارتها وطاقتها، فـ"الحوثيون"، هم في النهاية يمنيون وسيدفعون "الفاتورة الباهظة" وليس إيران.
وفي الجانب الخليجي، يجب أن يفهم أن الهدف الرئيسي للسعودية وشركائها في الحملة الجوية هو منع تحول اليمن إلى "عراق جديد"، أو فضاء مفتوح يتحرك فيه الإرهاب وتتمدد فيه إيران لتحقيق أطماعها في الخليج، والسيطرة على ممرات الطاقة والتجارة. والعملية برمتها يجب أن تسير في إطار مساعدة "الحل السلمي عبر المفاوضات"، وليس هزيمة هذا الطرف أو ذاك وإنما حملة من أجل "استقرار اليمن"، إذ بدون الاستقرار السياسي، لن تتمكن اليمن من تحقيق النمو الاقتصادي وحصد ثمار الثورة الشعبية العارمة ضد نظام المخلوع، علي عبد الله صالح، الذي أفقر خلال عقود المواطن اليمني ونهب ثروات البلاد وتركه عالة على الهبات والمعونات وتحويلات أبنائه في دول الخليج.
ومنذ ان بدأ انقلاب الحوثيين على الشرعية، خسرت اليمن معظم دخلها النفطي، حيث انخفض الدخل بحوالى 892 مليون دولار في أول 11 شهراً من عام 2014 إلى 1.580 مليار دولار مقابل 2.472 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2013، حسب بيانات حكومية.
كما أن أعمال التخريب المتواصلة، التي تعرض لها أنبوب النفط الرئيسي الواصل بين حقول الإنتاج في مأرب ومصفاة التكرير في محافظة الحديدة، في غرب البلاد، تسبب في ضائقة الوقود في مدن اليمن. وفقدت اليمن منذ انطلاق الفوضى، حتى الدخل القليل الذي كانت تحصله من النفط، حيث غادرت الشركات النفطية الأجنبية البلاد. وتعتمد اليمن بنسبة 63% في الدخل على النفط.
وحسب إحصائيات برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، الأخير، فإن 46% من سكان اليمن لا يجدون الغذاء الكافي. وهذه النسبة تساوي أكثر من 10 ملايين شخص من إجمالي عدد السكان البالغ 24.8 مليون نسمة حسب إحصائيات البنك الدولي.
فالاقتصاد اليمني بحاجة ماسة للاستثمارات، ولدية جالية من الأثرياء في السعودية ودول الخليج، يمكن أن يساهموا بفعالية في إنعاش الاقتصاد، إذا توفر الاستقرار السياسي. وحسب إحصائيات البنك الدولي، فإن دخل الفرد اليمني يقدر بحوالى 1361 دولاراً سنوياً. وهذا دخل ضئيل جداً مقارنة بمتوسط دخل الفرد في الدول العربية المقدر بحوالى 7400 دولار. كما أن النفط اليمني يتجه نحو النفاد، حيث انخفض الإنتاج من 180 مليون برميل في 2012 إلى 133 ألف برميل بنهاية 2014، والآن شبه متوقف.
ويعيش في اليمن حوالى 13.1 مليون شخص تحت خط الفقر، حيث لا يجدون المياه النظيفة والصرف الصحي، وهنالك أكثر من 10 ملايين مواطن يمني غير مشمولين بالرعاية الصحية. كما يبلغ عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية حوالى مليون طفل، وعدد السكان المشردين ولا يجدون مأوى أكثر من 300 ألف فرد. وهذه الإحصائيات نشرتها الأمم المتحدة في العام الماضي.
وبالتأكيد فإن الحال في اليمن ازدادت سوءاً منذ أن بدأ الحوثيون ضرب الشرعية وزرع الفوضى وإشعال الحرب الأهلية.
أمام هذه المآسي والإفقار ومخاطر الحرب، يبقى مستقبل اليمن في الاستقرار السياسي الذي سيجلب الاستثمارات ويحرك عجلة الاقتصاد ويدفع نحو بناء دولة حديثة تقوم على المواطنة، وليس الطائفة أو القبيلة أو العرق.