مواجهات دامية، قتلى وجرحي، ويمن ممزق على شفا حرب أهلية، تصعيد حوثي مستمر، وأياد إيرانية تلعب في خفية، وبلد يُدفع بقوة نحو هاوية التقسيم.
مستقبل مظلم ينتظر اليمن، هكذا وصف المراقبون الوضع المتأزم في ظل تصاعد حدة المواجهات بين جماعة الحوثي والجيش اليمني، والتي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
إذ شن الطيران الحربي اليمني لليوم الرابع على التوالي غارات جوية استهدف فيها مناطق للحوثيين، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء.
وكشفت مصادر يمنية، أن الطيران الحربي وجه غاراته على مديرية الغيل، واستهدف مخازن أسلحة خاصة بالجماعة، إضافة إلى أنه استهدف مساء الثلاثاء الماضي مديرية الزاهر، التي تعتبر من المناطق التي يتمركز فيها الحوثيون، كما أكد المصدر تجدد المواجهات بين الحوثيين والجيش المسنود باللجان الشعبية في عدد من المناطق في الجوف اليوم.
من ناحية أخرى، تشهد جنوب العاصمة صنعاء في منطقة حزيز توترًا أمنيًا شديدًا، حيث أكد سكان المنطقة سماع دوي انفجارات منذ الصباح، ولم يؤكدوا مصدرها بالتحديد، وشهدت تلك المنطقة اشتباكات مسلحة بين قوات الاحتياطات الأمنية من معسكر السواد، ومسلحين حوثيين حاولوا اقتحام إحدى المدارس الواقعة قرب المعسكر.
تصعيد حوثي
وخرجت مسيرات كبيرة اليوم في عدد من محافظات الجمهورية، منها عمران وصعدة شمال العاصمة الواقعتين، تحت سيطرة جماعة الحوثي بشكل كامل، استمراراً للخطوات التصعيدية.
وقال محمد العماد الناطق باسم «شباب الصمود» الحوثية، إن صنعاء لن تشهد أي مسيرات اليوم، نتيجة للأحداث التي شهدتها أمس من اشتباكات أمام مقر الحكومة اليمنية، وفي منطقة السواد بصنعاء.
وأكد أن العاصمة صنعاء ستشهد الأيام المقبلة خطوات جديدة سيكشف عنها لاحقاً.
ووجه الحوثيون، اتهامات للتجمع اليمني لحزب الإصلاح المشارك بالحكومة بأربع وزارات، بالوقوف وراء أعمال العنف التي شهدتها العاصمة صنعاء أمس، وما تشهده محافظة الجوف من اشتباكات مسلحة حتى اليوم.
وقال زيد الشامي رئيس كتلة الإصلاح في البرلمان، إن الحوثيين اعتادوا على تلك الاتهامات غير الصحيحة، التي اعتبروها حجة لهم للسيطرة على عمران وصعدة، والآن العاصمة صنعاء.
وأكد الشامي أنهم رحبوا بدخول جماعة الحوثي إلى العملية السياسية «إلا أنهم رفضوا ذلك أكثر من مرة».
اشتباكات عنيفة
وكانت قد شهدت صنعاء، أمس الثلاثاء، اشتباكات في محيط مقر رئاسة الوزراء، بين الأمن ومتظاهرين ينتمون لجماعة الحوثي خلفّت 7 قتلى و50 جريحاً من الحوثيين، بالإضافة إلى مقتل أحد الجنود.
وقال الحوثيون إن قوات الأمن أطلقت عليهم النيران خلال فض اعتصامهم قرب مقر الحكومة، فيما قالت السلطات اليمنية إن حراسة مجلس الوزراء لم تطلق النار على المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام المقر بالقوة، واتهمت مسلحين منتشرين في محيط المبنى بإطلاق النار من بين المتظاهرين.
وكانت قوات من الجيش تمكّنت من إعادة فتح الطريق الذي يربط صنعاء بمحافظتي عدن (جنوب)، وتعز (وسط) في منطقة حزيز، جنوبي العاصمة، بعد أن أغلقه مسلحون حوثيون لساعات.
رفض العنف
وشارك، اليوم، مئات من اليمنيين في سلسلة بشرية بالعاصمة صنعاء، رفضًا لدعوات الحرب والعنف والفوضى في البلاد، عقب المواجهات التي شهدتها صنعاء أمس.
وامتدت السلسلة البشرية في شارع الزبيري، أحد أبرز شوارع العاصمة، ورفع المشاركون فيها لافتات تدعو إلى نبذ الفوضى والعنف، والبعد عن الخطاب الطائفي، وعدم جر البلاد إلى حرب أهلية لأسباب يمكن حلها بالطرق السلمية.
وطالب المشاركون في السلسلة، بالعودة إلى الحوار والطرق السلمية من أجل حل جميع المسائل الخلافية بين الدولة ومختلف القوى، لتجنيب البلاد الفوضى والحرب.
ودعا المشاركون في السلسلة الاحتجاجية جماعة الحوثي إلى «التخلي عن السلاح ولغة العنف»، وإلى «إيقاف الحروب التي تخوضها كل الجماعات المسلحة في مختلف المحافظات».
دعوة للحوار
وبعد تصاعد حدة المواجهات، دعا برلمانيون يمنيون، جميع الأطراف بالبلاد (الحكومة والحوثيين) إلى ضبط النفس ومعالجة القضايا والمطالب عن طريق الحوار، منتقدين أساليب التصعيد واستخدام العنف والأحداث المأساوية التي نتج عنها سقوط ضحايا.
وقالت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، إن أعضاءً بالبرلمان عبّروا عن أسفهم واستنكارهم الشديدين تجاه التوترات الجارية والأحداث المأساوية والمؤسفة، والتي نتج عنها سقوط ضحايا، في إشارة إلى اشتباكات الحوثيين والأمن بصنعاء.
وبحسب ذات المصدر، فإن النواب دعوا جميع الأطراف إلى «تحمّل مسؤوليتهم الوطنية وضبط النفس ومعالجة جميع قضايا عن طريق الحوار والتفاهم وتغليب الحكمة والمنطق وتجنيب الوطن والمواطنين حدوث أي مكروه يمس حياتهم العامة والخاصة».
وأكد الأعضاء على حق المواطنين في التعبير السلمي عن الرأي بطرق سلمية ومشروعة وفقًا لما كفله الدستور والقوانين النافذة، مؤكدين في ذات الوقت ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار والسكينة العامة.
حرب طائفية
ويرى محللون أن الحوثي يهدف من «استدعاء الطائفية والمذهبية»إلى تحسين شروط التفاوض مع الحكومة من خلال تدخل الدبلوماسية الإيرانية في الشأن اليمني، والضغط باتجاه احراز نصر سياسي، يتمثل في الحصول على حقائب وزارية في التشكيلة الحكومية القادمة.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية «نبيل البكيري» أن جماعة الحوثي «تقوم أساساً على الفكر الطائفي، لكنها في تصعيدها الأخير حاولت خلق مبررات من قبيل موقفها الرافض لقرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، فيما هي في حقيقة الأمر تتخذ من قرار المشتقات النفطية، سبيلاً لتحقيق أهداف لا تستطيع المجاهرة بها».
ويُضيف البكيري في تصريحات صحفية، أن «الجماعة الحوثية تسعى لتحقيق أهداف على رأسها أحقيتهم في الحكم والسيادة، وهي فكرة عصبوية يرتكز عليها الفكر الحوثي في جوهره».
وبدوره، قال الدكتور محمد حسين، الخبير السياسي، إن جماعة الحوثي تقود حربًا طائفية داخل اليمن، مؤكدًا أن مطالبهم بشأن خفض أسعار البترول وإقالة الحكومة، غير صادقة.
وأكد الخبير السياسي لـ«مصر العربية»، أن جماعة الحوثي تحركهم أياد خارجية (في إشارة ﻹيران)، لدفع اليمن إلى التقسيم، مؤكدًا أن هناك مخططًا شيعيًا تلعبه إيران في المنطقة وضح جليًا في العراق وسوريا والبحرين، ويتضح حاليًا في اليمن.
وأظهر الخبير السياسي قلقه إزاء تصعيد حوثي متوقع، بعد مقتل عدد منهم في مواجهات أمس، مؤكدًا أن اليمن دخلت النفق المظلم وأصبحت على وشك حرب طائفية.
وتتواصل احتجاجات الحوثيين، على الرغم من إعلان الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، الأسبوع الماضي، عن مبادرة لحل الأزمة، تتضمن إقالة الحكومة الحالية، وتسمية رئيس وزراء خلال أسبوع، وخفض أسعار المشتقات النفطية، والبدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، الذي اختتم فعالياته في يناير، وأقر تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم فيدرالية، بواقع أربعة في الشمال وإقليمين في الجنوب.
وجاء تصعيد الجماعة، التي تتخذ من صعدة (شمال) مقراً لها، في صنعاء، بعد أن سيطرت على محافظة عمران (شمال)، الشهر الماضي، عقب هزيمة اللواء 310، ومقتل قائده العميد الركن حميد القشيبي.
ونشأت جماعة الحوثي، التي تنتمي إلى المذهب الزيدي الشيعي، عام 1992 على يد حسين بدر الحوثي، الذي قتلته القوات الحكومية منتصف عام 2004؛ ليشهد اليمن 6 حروب (بين عامي 2004 و2010) بين الجماعة المتمركزة في صعدة (شمال)، وبين القوات الحكومية؛ خلفت آلاف القتلى والجرحى من الجانبين.
ويُنظر لجماعة الحوثي على أنها تسعى لإعادة الحكم الملكي الذي كان سائداً في شمال اليمن قبل أن تطيح به ثورة 26 سبتمبر 1962.
* نقلاً عن مصر العربية.
* نقلاً عن مصر العربية.