بقصد أو بدونه رفضت الحكومة مزامنة قرار تحرير المشتقات النفطية مع حزمة الإجراءات الإدارية والقانونية والمالية الواجب حضورها لتكتمل عملية الإصلاحات وتُجفف منابع الفساد، وبعد أن شعرت قيادة الدولة بحرارة الغليان الشعبي تتصاعد، اطلقت العنان لمجموعة من الإصلاحات الهامة الواجب تنفيذها، وكان الأولى أن تتم قبل رفع الدعم حتى تكون الدولة على بينة في مواردها وميزانيتها.
وما يجب التأكيد عليه أن الشعب قد استغفل مرتين، حيث كانت الأولى في منتصف 2011 وفي ذروة ثورة فبراير، حين افتعلت شركة النفط أزمة في عهد الرئيس السابق وقالت إن المتوفر لديها بنزين "سولار" فقط، ثم باعت البنزين العادي بسعر السولار، ورفعت سعر الصفيحة (20 لتر) إلى 3500 ريال بفارق 3000 ريال، مع أنه بنزين عادي، وحين تشكلت حكومة الوفاق في أواخر 2011 علق عليها الشعب آماله بإرجاع سعر البنزين إلى طبيعته، ووعدت، وتلكأت، ثم رفضت بحجة أن خزينة الدولة بحاجة إلى دعم، وتم تخفيض السعر إلى 2500 ريال، دون موافقة البرلمان، وفي 30 يوليو الماضي، زاد الطين بلة، وتم رفع السعر غير الرسمي إلى رقم خرافي، بـ 3900 ريال لصفيحة البنزين، و4300 دولار للديزل، دون موافقة البرلمان في التسعيرتين الأولى والثانية.
وتم تجاهل البرلمان "صوت الشعب ورقيبه" لأسباب أهمها أنه مطعون في شرعيته، فقد انتهت مدته القانونية في ابريل 2009 لكنه مدد لنفسه سنتين، ومددت له المبادرة الخليجية مدة غير محددة، وأصبح هزيلا في قدرته الرقابية والتشريعية. وكان يجب أن تصاحب قرار تحرير المشتقات حزمة من الاجراءات أهمها:
1- الغاء حالات الازدواج الوظيفي والوظائف الوهمية المقدرة بـ300 ألف وظيفة، أكثر من نصفها في المؤسستين العسكرية والأمنية، تمتص خزينة الدولة بأكثر من 700 مليون دولار شهرياً، وتطبيق نظام البصمة في الجيش والأمن.
2-ايجاد نافذة حكومية واحدة هي من تتولى استيراد وبيع وتوزيع المشتقات النفطية وتحصيل وارداتها لأن الوضع الحالي بثلاث نوافذ حكومية (وزارة المالية وشركة النفط ومصافي عدن) هي فتحات ضخمة لاختلاس الموارد والتهرب من المسئولية.
3- تخفيف التمثيل الدبلوماسي في الخارج، واغلاق السفارات اليمنية في الدول التي لا حاجة للدبلوماسية اليمنية فيها، كدول أوروبا الشرقية، والدول المتفككة عن الاتحاد السوفيتي.
4- تخفيض ميزانية مؤسسة الرئاسة إلى النصف، فهي تأخذ مليارات الريالات سنوياً دون رقابة أو محاسبة.
5- إلغاء ميزانية مصلحة شئون القبائل التي تمتص 65 مليون دولار من خزينة الدولة سنوياً، وكل وظيفتها صرف مبالغ للمشايخ، دون مبرر قانوني أو أخلاقي، فقط لأنهم مشايخ، وللأسف بينهم كثير ممن انضموا أو هربوا إلى ثورة فبراير!
6- إصلاح أوعية التحصيل الضريبي والجمركي ووقف الإعفاءات للقطاع الخاص، حيث بلغت العام الماضي ما يعادل ملياري دولار تحصل عليها التجار كإعفاءات، مقابل عمولة لمن يستخرج مذكرة الإعفاء من الرئاسة، وأحياناً يكون المسئولون أنفسهم هم التجار.
7- رفع مستحقات من يتحصلون على رواتب من الضمان الاجتماعي، فمن غير المعقول أن تصرف الدولة للفرد ستة آلاف ريال كل ثلاثة شهور.
8- تقديم رؤوس الفساد الذين ثبتت إدانتهم إلى محاكم عادلة ومستعجلة، حتى يكونوا عبرة لغيرهم، وترضية للشعب بجدية الحكومة بمكافحة الفساد.
9- إلزام الجهات الحكومية والأهلية بسداد مديونيتها، فوزارة الكهرباء تقول إن لدى القطاع الخاص والأهالي ديونا متعثرة تقارب 300 مليون دولار، والكهرباء مديونة لشركة النفط بـ450 مليون دولار، ووزارة الدفاع مديونة للنفط بـ52 مليون دولار، وطيران اليمنية مديون للنفط بـ40 مليون دولار، وشركات القطاع الخاص النفطية مديونة للنفط بأكثر من نصف مليار دولار.
10-وقبل وبعد كل خطوة إجرائية يجب القضاء على الفساد في أجهزة مكافحة الفساد، فالطبيب الماهر لا يستخدم أدوات ملوثة لتطهير الجراح، فالفساد في هيئة مكافحة الفساد وجهاز الرقابة والمحاسبة والبنك المركزي بصفته جهة رقابة مالية والبرلمان ووسائل الإعلام الحكومية، لا يقل عن فساد مؤسسات الدولة الأخرى.
المصدر: صحيفة الناس