«في رمضان يبقى التجار الجشعون والمسؤولون الفاسدون طلقاء»، يقول نبيه مصلح (43 سنة)، موضحاً أن القيم الانسانية والأخلاقية لفريضة الصوم تنحسر يوماً بعد يوم.
وكما في الدول الأخرى الاسلامية يحدث حلول شهر رمضان المبارك تغييراً في الحياة اليومية لليمنيين، خصوصاً لجهة إعداد وجبات خاصة وارتداء البعض ملابس تقليدية وإطلاق اللحية والشاربين. ويعد التمر و «السنبوسة» و«الشفوت» من أساسيات وجبة الافطار. ويطاول التغيير سلوك الناس أيضاً ويسجل رمضان إرتفاعاً في حوادث الشجار والعراك، خصوصاً في المناطق الجبلية مثل صنعاء. وتنتشر بين اليمنيين نصيحة مفادها «لا تكلم صائماً بعد العصر». وباتت حوادث الشجار الرمضانية موضوعاً اثيراً للدراما المحلية.
وترى الاختصاصية النفسية منى عبدالحفيظ في هذا النوع من الحوادث الرمضانية تظهيراً للطبيعة النفسية والعصبية للإنسان اليمني، مؤكدة وجود خصائص تتسم بها شخصية ابناء المناطق الجبلية، ومنها حدة المزاج والميل الى القتال.
وتقول: «على رغم انخفاض درجة الحرارة في المناطق الجبلية قياساً بمناطق الساحل بيد أن حوادث التوتر والشجار اثناء الصيام تكثر في صنعاء»، معتبرة أن صيام أبناء المناطق الساحلية هو بمثابة «جهاد» حقيقي للنفس خصوصاً في ضوء ارتفاع درجة الحرارة التي تصل احياناً الى 45 درجة مئوية وانقطاع التيار الكهربائي وانتشار الفقر.
ويحل شهر الصوم هذه السنة في ظل استمرار تفاقم الضائقة الاقتصادية والصراع بين النخب الحاكمة ما يضاعف من الأعباء على المواطنين. وارتفعت أسعار بعض السلع الاساسية بينما تستمر أزمة الوقود التي تشهدها البلاد منذ شهور.
ويزداد خلال شهر الصوم استهلاك اليمنيين لبعض السلع مثل التمور والحلويات والزبادي، ووفق معلومات رسمية يستورد اليمن 80 في المئة من احتياجاته من التمر، فيما ينتج 20 في المئة محلياً. وعشية حلول الشهر الكريم دمرت مجموعة مسلحة يعتقد بانتمائها إلى تنظيم القاعدة مصنع التمور في مدينة سيئون (شرق).
ويتفشى الفساد في البلد الأفقر في منطقة الشرق الأوسط حيث تصل نسبة الفقر الى اكثر من 54 في المئة من مجموع السكان البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة. وتضاعف الصراعات السياسية والدينية معاناة المواطنين.
ويفرض رمضان نمطاً موحداً على جميع السكان. فعلى رغم وجود طائفة يهودية صغيرة وعدد قليل من المسيحيين، يفرض طقس الصيام قيوده على الجميع من دون استثناء. وتذكر الموظفة الحكومية لبنى محمود أن الاعتداء على من يفطر يطاول ايضاً المختلين عقلياً. وتقول إنها في رمضان الماضي شاهدت صبية يقذفون مجنوناً بالحجارة بسبب تدخينه سيجارة في النهار.
وبدلاً من أن يؤدي الشهر الكريم إلى شحذ همم العمل وتحسين الأداء لانقاذ إقتصاد البلاد المنهار، تصاب المؤسسات الحكومية بالشلل، ويتوقف عمل المحاكم والنيابات خلال الشهر، وينخفض مستوى حضور الموظفين وغالباً ما يكون أداؤهم شكلياً.
وتقترح الموظفة رشيدة زيد تغيير فترة الدوام في رمضان الى الليل، مشيرة الى أن من شأن ذلك تحسين الاداء وتجنيب الموظفين في المناطق الساحلية التعرض الى الحرارة المرتفعة. كما يوفر الدوام ليلاً، فرصة للراغبين في التوقف عن تخزين القات. بيد أن ثمة من يرى في استمرار ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي الذي يصل احياناً الى 18 ساعة يومياً عائقاً امام تنفيذ المقترح خصوصاً في ضوء استمرار ازمة الوقود.
وعزا مصدر في وزارة المياه انقطاع المياه عن عدد من أحياء العاصمة الى عدم توافر مادة الديزل. وتحاول برامج تلفزيونية وجمعيات أهلية المساهمة في تخفيف معاناة الأسر الأشد فقراً من خلال اطلاق جوائز ومناشدة أهل الخير التبرع للمحتاجين.