عبدالله، 24 سنة، بندر، 31 سنة، عبد المجيد، 20 سنة.. ثلاثتهم أشقاء، قتلوا على التوالي، في غضون نصف عام من زمن الحرب على ما يسمى "الإرهاب" في اليمن، الأول قضى نحبه خلال مواجهات مع الجيش بمحافظة أبين في يوليو الماضي 2012. والآخران قتلا على التوالي بغارتين أمريكيتين شهدتهما محافظتا مأرب والجوف في 21،22 يناير الجاري.
إذن، هي آلام متوالية وفاجعة كبرى ألمّت بعائلة عمر هجام الحسني المقيمة في العاصمة صنعاء، التي ظلت على مدى سنوات عرضة للملاحقات الأمنية والمضايقات والحبس، قبل أن تدفع ثلاثة من فلذات أكبادها ثمناً لحرب عبثية، ترى أن ليس لها فيها ناقة ولا جمل.
البداية كانت في العام 2005، على الأرجح حين اعتقلت قوات الأمن اليمنية أحد أكبر الأشقاء الضحايا سناً، وهو بندر، حيث ظل رهن الاحتجاز التعسفي في سجن الأمن السياسي بصنعاء لعدة أشهر، قبل أن يمثل أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بتأريخ 22 فبراير-شباط 2006، ضمن مجموعة مكونة من 17 شخصا، بينهم أربعة سعوديين، وجهت لهم تهمة "الاشتراك في عصابة مسلحة لاستهداف مصالح أميركية وأجنبية"، حيث جاء في قرار الاتهام بأن هذه المجموعة التي عرفت حينها باسم "خلية الزرقاوي"، تلقت توجيهات من زعيم القاعدة في العراق حينها "أبو مصعب الزرقاوي"، للقيام بأعمال "إرهابية" في اليمن، "تستهدف ضرب الأمريكيين ومن هم على صلة بهم من اليمنيين ومهاجمة المنشات الأمريكية في اليمن وإقلاق امن وسكينة المجتمع والاستعداد لذلك بالمعدات اللازمة ومنها أدوات الكترونية للتفجير عن بعد وأسلحة وعبوات ناسفة".
والغريب أن المحكمة التي نظرت هذه القضية قضت بتأريخ 8 يوليو 2006، ببراءة كافة أفراد الخلية من التهمة الموجهة إليهم لعدم ثبوت الأدلة، بمن فيهم بندر الحسني، الذي كان يكنى بـ"أوس"، واكتفت بإدانة ستة متهمين فقط، بارتكاب جرائم التزوير في وثائق رسمية، وحيازة مفرقعات.
ثمة تفاصيل عديدة تثير العديد من علامات الاستفهام حول قصة حرب "الإرهاب" برمتها، والإجراءات التي تتبعها الحكومات في سياق هذه الحرب التي لا تنتهي، فبالإضافة إلى الغموض الذي يكتنف بعض جوانبها وتفاصيلها، تبدو الإجراءات التعسفية وغياب معايير العدالة والاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة جزءاً من السياسة العامة لهذه الحرب، فتغدو كما لو أنها ورش عمل تأهيلية، لتخريج أكبر قدر من الضحايا الأكثر تشدداً، والأقوى رغبة في الانتقام والردّ.
هذا ما تقوله قصص كثيرين ممن قضوا سنوات في زنازين الأمن السياسي، بعضهم تعرض لسوء المعاملة، وعندما خرجوا إلى المجتمع، وجدوا أنفسهم تحت طائلة التضييق والتشويه والتنفير وغياب فرص العمل، فكانوا أمام خيار لا مناص منه، إنه البحث عن الموت أو القتل مظآنه.
نعود إلى محاكمة "خلية الزرقاوي" التي اتهم فيها كبير أشقاء عائلة الحسني بالانتماء إليها، لقد حظيت هذه المحاكمة حينها، باهتمام وسائل الإعلام، إذ تضمن قرار الاتهام بأن "أفراد المجموعة اشتركوا خلال الفترة من 2004، 2005م في اتفاق جنائي لتشكيل عصابة مسلحة وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وتجهيز العدة لتنفيذ ذلك وزوروا بطائق وجوازات سفر واستأجروا منازل في صنعاء وعدن لتنفيذ مخططهم وسافروا إلى سوريا لجلب الدوائر الالكترونية واتصلوا بشخص يدعى أبو عاصم في السعودية لطلب التمويل المالي"، وأن "إرادتهم اتفقت على ذلك وتوزعوا الأدوار فيما بينهم وقاموا بالمسح والرصد للأشخاص المراد استهدافهم (...)، وأن المتهمين كانوا بصدد تنفيذ هجوم مسلح على أمريكيين في فندق عدن إلا أنهم عدلوا عن ذلك في اللحظات الأخيرة وقالوا إن الأولى أن يبدؤوا بمن أسموهم بعملائهم من اليمنيين...".
لكن المتهمين نفوا الاتهامات المنسوبة إليهم في محاضر التحقيقات، وقالوا إنها انتزعت منهم تحت الإكراه والتعذيب، في حين اعترف أحدهم بالمضبوطات وقال انه سلمها بنفسه إلى رئيس جهاز الأمن السياسي، كما أقرّ بأنه كان يجاهد في العراق ضد الاحتلال الأمريكي، وأخبر المحكمة "أنه بعد سماعه منافس الرئيس بوش في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة وهو يقول إن اليمن أولى بالضرب من العراق قام بتجهيز المضبوطات لضرب الأمريكيين إذا نفذوا تهديدهم وضربوا اليمن ولكن بعد فوز بوش عدل عن رأيه وسلم المضبوطات"، ونفى بقية المتهمين تشكيل عصابة مسلحة لضرب مصالح أمريكية في اليمن، وقال بعضهم انهم كانوا ينوون إعدادها للجهاد في العراق، فيما اعترف المتهمون السعوديون الأربعة أمام القاضي أنهم دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية، فاكتفى بالمدة التي قضوها في السجن وأمر بإطلاقهم.
أفرج عن بندر الحسني، بموجب حكم المحكمة القاضي بتبرئته من تهمة الإرهاب، ولكن بعد قرابة ثلاثة أعوام من الاحتجاز، على ذمة التهمة ذاتها، فعاد الحسني الأب لطفلين، إلى استئناف حياته اليومية بشكل طبيعي، معتمداً في معيشته من خلال العمل بسيارة أجرة، ظل يعمل عليها ويعول منها نفسه وأسرته الصغيرة طيلة السنوات الماضية.
ما إن بدأ الحسني الشعور بالاستقرار حتى عاودت السلطات اليمنية استجوابه والتضييق عليه وعلى أسرته مرة أخرى، وتكررت هذه الاستجوابات هذه المرة، على خلفية التحاق شقيقه عبدالله بتنظيم "القاعدة"، كما تقول السلطات الأمنية، حيث أدرجت أجهزة الأمن اسمه في قائمة المطلوبين أمنياً، واعتقلت شقيقهما الثالث عبدالمجيد، كرهينة للضغط على الآخر المطلوب لتسليم نفسه.
لم يُسلّم عبدالله، وكنيته (جليبيب)، نفسه لأجهزة الأمن، بل آثر الهروب القسري نحو المجهول، ربما لاعتقاده ومن خلال التجارب الماثلة أمامه أو التي سمع عنها بأن الرضوخ لحكم القانون في زمن الحرب على "الإرهاب" لا يعني سوى الارتهان لقانون الغاب، والانتحار ببطء، حينها بدأت صفحة جديدة من معاناة أسرة الحسني جراء غياب أحد أبنائها واحتجاز الثاني ومضايقة الثالث.
في أغسطس 2009، قام مجموعة من أفراد جهاز الأمن القومي بمحافظة مأرب شرق اليمن بتوقيف بندر الحسني، الشقيق الأكبر، بينما كان هناك في مهمة عمل، بحسب أسرته، حيث يعمل سائق أجرة، وقد ظل مختفياً قسرياً لدى مصالح الأمن القومي لمدة شهر أو أكثر لم يسمح له أبداً بالاتصال بالعالم الخارجي، أو إبلاغ أسرته، ونقل خلالها معصوب العينين من محافظة مأرب إلى العاصمة صنعاء، حيث وجه له المحققون الأمنيون أسئلة تتعلق ببعض الأشخاص المطلوبين للأمن، وهددوه بالسجن مدى الحياة إذا قام بالتواصل مع أي من المطلوبين من عناصر "القاعدة"، وبعد قرابة شهر من الإخفاء القسري نقل بندر من السجن وهو معصوب العينين، وأخلي سبيله في أحد شوارع العاصمة صنعاء.
الحدث عبدالمجيد
بعد أسابيع قليلة، اعتقلت السلطات اليمنية الحدث عبدالمجيد الحسني، حينها لم يكن قد أكمل عامه 16 من العمر، اختطفوه ولم يكمل عامه الدراسي، حيث يدرس في الصف التاسع الأساسي بمدرسة الكبسي الحكومية بمنطقة الجراف في العاصمة صنعاء، ويعمل في نفس الوقت سائقاً شخصياً لدى أحد التجار، من أجل الحصول على مصاريف الدراسة.
في صبيحة يوم الأربعاء السابع عشر لشهر ديسمبر 2009م كان عبدالمجيد يقود سيارة من نوع "سوزوكي فيتارا"، تعود ملكيتها لرب العمل، وكان عليه إيصاله إلى مقر عمله في منطقة التحرير، وحين توقف هناك جاء مجموعة من رجال الأمن يستقلون أربع سيارات، ويرتدي معظمهم اللباس المدني، وقليلون بالزي العسكري، كانوا يراقبونه، على ما يبدو، أنزلوه من سيارته على الفور واقتادوه إلى مكان مجهول، حيث أخفي قسراً قرابة شهرين، لا تعلم عنه أسرته شيئاً ولم يسمح له بالاتصال بالعالم الخارجي.
تقول أسرته، إن أجهزة الأمن كانت استوقفت الحدث عبدالمجيد الحسني أكثر من مرة للتحقيق معه لساعات ثم يذهبون، وكان المحققون الأمنيون يوجهون له في المرات السابقة أسئلة حول أي معلومات عن شقيقه عبدالله، تقول السلطات إنه مطلوب أمنياً، بينما لا تعلم أسرته عنه شيئاً وتؤكد الأسرة أنه غائب عن المنزل منذ مدة طويلة.
في مساء ذات اليوم الذي اختطف عبدالمجيد، داهم مجموعة من رجال الأمن منزل أسرته، وقاموا بتفتيشه من دون أي أوامر من القضاء، وصادروا جهاز كمبيوتر يخص شقيقته، وفي وقت سابق تقول الأسرة إن عناصر أمنية حضروا في وقت متأخر من الليل إلى منزل العائلة ما أفزع كافة أفرادها، وفوراً أخذوا عينة من الدم من كلٍ من الأب والأم، ثم غادروا المنزل.
كانت المعلومات تتحدث حينها عن وقوع غارة أمريكية أسفرت عن مقتل عدد من العناصر المشتبه بانتمائها لتنظيم "القاعدة"، تحتمل السلطات اليمنية أن يكون بينهم عبدالله الحسني، وهو الأمر الذي ثبت عدم صحته لاحقاً. ورغم تأكيد الأسرة لأجهزة الأمن بأنه لم يعد لها أي علاقة أو اتصالات بالابن المفقود الذي يطلبه الأمن، إلا أن أجهزة الأمن مارست الكثير من المضايقات على أفراد الأسرة طيلة السنوات الماضية.
ظل الحدث عبدالمجيد الحسني رهن الاحتجاز التعسفي حتى ديسمبر 2012، حين أطلق سراحه بعد 3 سنوات من الاحتجاز التعسفي، لم يقدم طيلة هذه المدة إلى محاكمة ولم توجه له تهمة، الأمر الذي يبدو أنه كفيل بإثارة براكين من الغضب والعداء في نفسه ضد ما يمت إلى الدولة بصلة.
القمع يسقط خيارات النضال السلمي
أما الشقيق الأكبر بندر الحسني، فما إن أطلق سراحه من الاعتقال الثاني سبتمبر 2009م، حتى انخرط في حياته مجدداً، منشغلاً برعاية شؤون أسرته، وفي الوقت ذاته لم يألُ جهداً لدى الأجهزة الأمنية والمنظمات الحقوقية من أجل إطلاق سراح شقيقه الأصغر عبدالمجيد المحتجز لدى الأمن السياسي.. ولكن دون جدوى.
ومع انطلاق موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام الرئيس صالح، مطلع العام 2011، وجدها الحسني، كغيره من آلاف الشباب اليمني، طوق نجاة للتخلص من نظام كان ولا يزال يتجرع على يده مرارات الظلم والقسوة.
انضم الحسني إلى تسونامي "الربيع اليمني"، في وقت كان الجدل يدور على نطاق واسع حول مدى استفادة التنظيمات الجهادية المحلية، والمتعاطفين معها، من حالة الفوضى والخطاب الثوري الذي انتهجته هذه الثورات ضد الأنظمة الرسمية، سيما وأنه يتفق جزئياً مع الفكر الجهادي من حيث المطالبة بإسقاط هذه الأنظمة، باعتبارها "أنظمة فاسدة وظالمة وعميلة ولا تخدم شعوبها".
في اليمن كما في مصر وليبيا، لم يكن أنصار التيارات الجهادية بمختلف مستوياتهم وميولهم بعيدين عن أحداث الثورة الشبابية السلمية ضد حكم الرئيس صالح، بل كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي الذي انتفض ضد ما يقولون إنه نظام حكم "عائلي فاسد وظالم"، وبالأخص أولئك الذين كانوا وقعوا ضحايا إجراءات الحرب على "الإرهاب"، فاعتقلوا لسنوات في السجون اليمنية بدون محاكمات، أو مستهم لظى هذه الحرب بشكل أو بآخر.
انخرط الحسني في الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام اليمني في بداياتها الأولى ولكن مع ازدياد حدة القمع ضد المتظاهرين السلميين، وتواطؤ المحيط الإقليمي والدولي في بادئ الأمر مع نظام الرئيس السابق، تعززت لدى الكثير من الشباب اليمني وخصوصاً الجهاديين السابقين، القناعات القديمة لديهم بعدم جدوى النضال السلمي ضد أنظمة الاستبداد، فانسحبوا تدريجيا من الساحات، خاصة بعد أن تعرض العديد منهم لمضايقات من قبل بعض القوى الثورية، متوجهين بأعداد كبيرة إلى محافظة أبين جنوب البلاد، للانضمام إلى صفوف جماعة "أنصار الشريعة" التي كانت تخوض معارك شرسة للسيطرة على المدن الرئيسية في المحافظة، وصولاً إلى إسقاط النظام، حسب توقعاتها.
غادر الحسني بندر العاصمة صنعاء متوجهاً إلى محافظة أبين، للالتحاق بشقيقه عبدالله المطلوب أمنياً منذ مدة طويلة، وهناك بدت مهمته، بحسب أحد أصدقائه، أقرب إلى العمل الإعلامي واللوجستي منه إلى العمل المسلح، وإن كان "القاعديون" في الجملة لا ينفكون عن حمل السلاح، ويعملون بشكل متعدد المهام.
في يوليو 2012، شارك الحسني في مراسيم دفن شقيقه عبدالله، الذي لقي حتفه في مواجهات مع قوات الجيش اليمني في محافظة أبين، لكنه لم يكن بمقدوره العودة إلى أسرته لاستئناف الحياة مجدداً، في ظل الملاحقات الأمنية وإغلاق السلطات البديلة في صنعاء أية أفق للحوار مع الأشخاص الراغبين أو المترددين بالتخلي عن السلاح والعودة كمواطنين صالحين، وعليه، واصلَ مسيرته في التخفي والابتعاد.
فاجعة ثانية وثالثة
مرّت الشهور، وما كادت عائلة الحسني تتناسى مصابها في فقد ابنها عبدالله الذي لم تره منذ مدة طويلة، حتى فجعت بمقتل ابنها الثاني بندر في غارة أمريكية استهدفته ومجموعة من رفاقه بتأريخ 21 يناير2013، في سياق سلسلة من الغارات الأمريكية، تقول تقارير صحافية إنها أفشلت مساعي للهدنة بين الدولة وتنظيم "ألقاعدة"، وافق عليها التنظيم، وتقضي بوقف الغارات الأمريكية مقابل وقف الهجمات "الإرهابية".
تقول مصادر خاصة إلى "الغد" إن الحسني ورفاقه كانوا على متن سيارة بمنطقة العطيف في مديرية مدغل محافظة مأرب شرق البلاد، حين استهدفتهم صواريخ أمريكية، أسفرت، بحسب بيان وزارة الداخلية اليمنية، عن مقتل الحسني، الذي زعمت أنه سعودي الجنسية، بالإضافة إلى مقتل اثنين آخرين هما: قاسم ناصر سوده طعيمان، وعلي صالح الدولة الجشمة، مشيرة إلى إصابة كل من: عز الدين طعيمان، واحمد صالح اليزيدي.
توالت على عائلة الحسني فاجعة أخرى في اليوم التالي مباشرة، حين أفاقت على نبأ مقتل ابنها الأصغر والسجين السابق في الأمن السياسي عبد المجيد، في غارة أمريكية مماثلة، قالت مصادر قبلية إنها استهدفت سيارتين تقلان مجموعة من المسلحين في منطقة شعب الحجلة بمديرية خب الشعف في محافظة الجوف، مشيرة إلى مقتل خمسة، كانت جثامين بعضهم متفحمة ولم تعرف هوياتهم.
إذن، لم يقضِ السجين السابق عبدالمجيد الحسني على استعادته حريته وقتاً طويلاً، حتى غادر العاصمة صنعاء، قبل أن تعاجله غارة أمريكية، ربما لم يكن حينها قد حمل على عاتقه سلاحاً، ناهيك أن يكون قاتل في صفوف "القاعدة" أو استهدف مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والعالم.
لقد قتل عبدالمجيد الحسني، الذي فشلت الحكومة اليمنية في إدانته طيلة سنوات من الاحتجاز، بينما لم تخطئه صواريخ الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكن تعرف اسمه بالطبع ولا يعنيها حقه في الحياة وفي العدالة، قدر ما يعنيها الوصول إلى جسد الضحية فتحيله أشلاء ممزقة، لمجرد أنه مشتبه به، تزعم أنه قد يشكل خطراً على أمنها القومي!!.
هكذا إذن، يقتل الأشقاء الثلاثة من عائلة واحدة في حرب "الإرهاب" التي لا أحد يمكنه التنبؤ بمآلاتها والنهاية التي تقف عندها.. فيما يبقى السؤال الحائر: ما الذي تريده الولايات المتحدة بالضبط في حربٍ تعرف سلفاً أنها أخفقت في تحقيق النصر منها في بلدان أخرى من العالم، وكم يحتاج ساسة البيت الأبيض من دماء اليمنيين حتى يطمئنوا بأن أمنهم القومي أصبح في مأمن ؟!، وإلى متى يستمر حكام اليمن المتعاقبون في عبثهم بسيادة البلد واسترخاص دماء اليمنيين؟!، وهل سيتوقف حكام صنعاء عن تأجير البلد إلى واشنطن كشقة مفروشة؟!
"الغد"
إذن، هي آلام متوالية وفاجعة كبرى ألمّت بعائلة عمر هجام الحسني المقيمة في العاصمة صنعاء، التي ظلت على مدى سنوات عرضة للملاحقات الأمنية والمضايقات والحبس، قبل أن تدفع ثلاثة من فلذات أكبادها ثمناً لحرب عبثية، ترى أن ليس لها فيها ناقة ولا جمل.
البداية كانت في العام 2005، على الأرجح حين اعتقلت قوات الأمن اليمنية أحد أكبر الأشقاء الضحايا سناً، وهو بندر، حيث ظل رهن الاحتجاز التعسفي في سجن الأمن السياسي بصنعاء لعدة أشهر، قبل أن يمثل أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بتأريخ 22 فبراير-شباط 2006، ضمن مجموعة مكونة من 17 شخصا، بينهم أربعة سعوديين، وجهت لهم تهمة "الاشتراك في عصابة مسلحة لاستهداف مصالح أميركية وأجنبية"، حيث جاء في قرار الاتهام بأن هذه المجموعة التي عرفت حينها باسم "خلية الزرقاوي"، تلقت توجيهات من زعيم القاعدة في العراق حينها "أبو مصعب الزرقاوي"، للقيام بأعمال "إرهابية" في اليمن، "تستهدف ضرب الأمريكيين ومن هم على صلة بهم من اليمنيين ومهاجمة المنشات الأمريكية في اليمن وإقلاق امن وسكينة المجتمع والاستعداد لذلك بالمعدات اللازمة ومنها أدوات الكترونية للتفجير عن بعد وأسلحة وعبوات ناسفة".
والغريب أن المحكمة التي نظرت هذه القضية قضت بتأريخ 8 يوليو 2006، ببراءة كافة أفراد الخلية من التهمة الموجهة إليهم لعدم ثبوت الأدلة، بمن فيهم بندر الحسني، الذي كان يكنى بـ"أوس"، واكتفت بإدانة ستة متهمين فقط، بارتكاب جرائم التزوير في وثائق رسمية، وحيازة مفرقعات.
ثمة تفاصيل عديدة تثير العديد من علامات الاستفهام حول قصة حرب "الإرهاب" برمتها، والإجراءات التي تتبعها الحكومات في سياق هذه الحرب التي لا تنتهي، فبالإضافة إلى الغموض الذي يكتنف بعض جوانبها وتفاصيلها، تبدو الإجراءات التعسفية وغياب معايير العدالة والاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة جزءاً من السياسة العامة لهذه الحرب، فتغدو كما لو أنها ورش عمل تأهيلية، لتخريج أكبر قدر من الضحايا الأكثر تشدداً، والأقوى رغبة في الانتقام والردّ.
هذا ما تقوله قصص كثيرين ممن قضوا سنوات في زنازين الأمن السياسي، بعضهم تعرض لسوء المعاملة، وعندما خرجوا إلى المجتمع، وجدوا أنفسهم تحت طائلة التضييق والتشويه والتنفير وغياب فرص العمل، فكانوا أمام خيار لا مناص منه، إنه البحث عن الموت أو القتل مظآنه.
نعود إلى محاكمة "خلية الزرقاوي" التي اتهم فيها كبير أشقاء عائلة الحسني بالانتماء إليها، لقد حظيت هذه المحاكمة حينها، باهتمام وسائل الإعلام، إذ تضمن قرار الاتهام بأن "أفراد المجموعة اشتركوا خلال الفترة من 2004، 2005م في اتفاق جنائي لتشكيل عصابة مسلحة وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وتجهيز العدة لتنفيذ ذلك وزوروا بطائق وجوازات سفر واستأجروا منازل في صنعاء وعدن لتنفيذ مخططهم وسافروا إلى سوريا لجلب الدوائر الالكترونية واتصلوا بشخص يدعى أبو عاصم في السعودية لطلب التمويل المالي"، وأن "إرادتهم اتفقت على ذلك وتوزعوا الأدوار فيما بينهم وقاموا بالمسح والرصد للأشخاص المراد استهدافهم (...)، وأن المتهمين كانوا بصدد تنفيذ هجوم مسلح على أمريكيين في فندق عدن إلا أنهم عدلوا عن ذلك في اللحظات الأخيرة وقالوا إن الأولى أن يبدؤوا بمن أسموهم بعملائهم من اليمنيين...".
لكن المتهمين نفوا الاتهامات المنسوبة إليهم في محاضر التحقيقات، وقالوا إنها انتزعت منهم تحت الإكراه والتعذيب، في حين اعترف أحدهم بالمضبوطات وقال انه سلمها بنفسه إلى رئيس جهاز الأمن السياسي، كما أقرّ بأنه كان يجاهد في العراق ضد الاحتلال الأمريكي، وأخبر المحكمة "أنه بعد سماعه منافس الرئيس بوش في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة وهو يقول إن اليمن أولى بالضرب من العراق قام بتجهيز المضبوطات لضرب الأمريكيين إذا نفذوا تهديدهم وضربوا اليمن ولكن بعد فوز بوش عدل عن رأيه وسلم المضبوطات"، ونفى بقية المتهمين تشكيل عصابة مسلحة لضرب مصالح أمريكية في اليمن، وقال بعضهم انهم كانوا ينوون إعدادها للجهاد في العراق، فيما اعترف المتهمون السعوديون الأربعة أمام القاضي أنهم دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية، فاكتفى بالمدة التي قضوها في السجن وأمر بإطلاقهم.
أفرج عن بندر الحسني، بموجب حكم المحكمة القاضي بتبرئته من تهمة الإرهاب، ولكن بعد قرابة ثلاثة أعوام من الاحتجاز، على ذمة التهمة ذاتها، فعاد الحسني الأب لطفلين، إلى استئناف حياته اليومية بشكل طبيعي، معتمداً في معيشته من خلال العمل بسيارة أجرة، ظل يعمل عليها ويعول منها نفسه وأسرته الصغيرة طيلة السنوات الماضية.
ما إن بدأ الحسني الشعور بالاستقرار حتى عاودت السلطات اليمنية استجوابه والتضييق عليه وعلى أسرته مرة أخرى، وتكررت هذه الاستجوابات هذه المرة، على خلفية التحاق شقيقه عبدالله بتنظيم "القاعدة"، كما تقول السلطات الأمنية، حيث أدرجت أجهزة الأمن اسمه في قائمة المطلوبين أمنياً، واعتقلت شقيقهما الثالث عبدالمجيد، كرهينة للضغط على الآخر المطلوب لتسليم نفسه.
لم يُسلّم عبدالله، وكنيته (جليبيب)، نفسه لأجهزة الأمن، بل آثر الهروب القسري نحو المجهول، ربما لاعتقاده ومن خلال التجارب الماثلة أمامه أو التي سمع عنها بأن الرضوخ لحكم القانون في زمن الحرب على "الإرهاب" لا يعني سوى الارتهان لقانون الغاب، والانتحار ببطء، حينها بدأت صفحة جديدة من معاناة أسرة الحسني جراء غياب أحد أبنائها واحتجاز الثاني ومضايقة الثالث.
في أغسطس 2009، قام مجموعة من أفراد جهاز الأمن القومي بمحافظة مأرب شرق اليمن بتوقيف بندر الحسني، الشقيق الأكبر، بينما كان هناك في مهمة عمل، بحسب أسرته، حيث يعمل سائق أجرة، وقد ظل مختفياً قسرياً لدى مصالح الأمن القومي لمدة شهر أو أكثر لم يسمح له أبداً بالاتصال بالعالم الخارجي، أو إبلاغ أسرته، ونقل خلالها معصوب العينين من محافظة مأرب إلى العاصمة صنعاء، حيث وجه له المحققون الأمنيون أسئلة تتعلق ببعض الأشخاص المطلوبين للأمن، وهددوه بالسجن مدى الحياة إذا قام بالتواصل مع أي من المطلوبين من عناصر "القاعدة"، وبعد قرابة شهر من الإخفاء القسري نقل بندر من السجن وهو معصوب العينين، وأخلي سبيله في أحد شوارع العاصمة صنعاء.
الحدث عبدالمجيد
بعد أسابيع قليلة، اعتقلت السلطات اليمنية الحدث عبدالمجيد الحسني، حينها لم يكن قد أكمل عامه 16 من العمر، اختطفوه ولم يكمل عامه الدراسي، حيث يدرس في الصف التاسع الأساسي بمدرسة الكبسي الحكومية بمنطقة الجراف في العاصمة صنعاء، ويعمل في نفس الوقت سائقاً شخصياً لدى أحد التجار، من أجل الحصول على مصاريف الدراسة.
في صبيحة يوم الأربعاء السابع عشر لشهر ديسمبر 2009م كان عبدالمجيد يقود سيارة من نوع "سوزوكي فيتارا"، تعود ملكيتها لرب العمل، وكان عليه إيصاله إلى مقر عمله في منطقة التحرير، وحين توقف هناك جاء مجموعة من رجال الأمن يستقلون أربع سيارات، ويرتدي معظمهم اللباس المدني، وقليلون بالزي العسكري، كانوا يراقبونه، على ما يبدو، أنزلوه من سيارته على الفور واقتادوه إلى مكان مجهول، حيث أخفي قسراً قرابة شهرين، لا تعلم عنه أسرته شيئاً ولم يسمح له بالاتصال بالعالم الخارجي.
تقول أسرته، إن أجهزة الأمن كانت استوقفت الحدث عبدالمجيد الحسني أكثر من مرة للتحقيق معه لساعات ثم يذهبون، وكان المحققون الأمنيون يوجهون له في المرات السابقة أسئلة حول أي معلومات عن شقيقه عبدالله، تقول السلطات إنه مطلوب أمنياً، بينما لا تعلم أسرته عنه شيئاً وتؤكد الأسرة أنه غائب عن المنزل منذ مدة طويلة.
في مساء ذات اليوم الذي اختطف عبدالمجيد، داهم مجموعة من رجال الأمن منزل أسرته، وقاموا بتفتيشه من دون أي أوامر من القضاء، وصادروا جهاز كمبيوتر يخص شقيقته، وفي وقت سابق تقول الأسرة إن عناصر أمنية حضروا في وقت متأخر من الليل إلى منزل العائلة ما أفزع كافة أفرادها، وفوراً أخذوا عينة من الدم من كلٍ من الأب والأم، ثم غادروا المنزل.
كانت المعلومات تتحدث حينها عن وقوع غارة أمريكية أسفرت عن مقتل عدد من العناصر المشتبه بانتمائها لتنظيم "القاعدة"، تحتمل السلطات اليمنية أن يكون بينهم عبدالله الحسني، وهو الأمر الذي ثبت عدم صحته لاحقاً. ورغم تأكيد الأسرة لأجهزة الأمن بأنه لم يعد لها أي علاقة أو اتصالات بالابن المفقود الذي يطلبه الأمن، إلا أن أجهزة الأمن مارست الكثير من المضايقات على أفراد الأسرة طيلة السنوات الماضية.
ظل الحدث عبدالمجيد الحسني رهن الاحتجاز التعسفي حتى ديسمبر 2012، حين أطلق سراحه بعد 3 سنوات من الاحتجاز التعسفي، لم يقدم طيلة هذه المدة إلى محاكمة ولم توجه له تهمة، الأمر الذي يبدو أنه كفيل بإثارة براكين من الغضب والعداء في نفسه ضد ما يمت إلى الدولة بصلة.
القمع يسقط خيارات النضال السلمي
أما الشقيق الأكبر بندر الحسني، فما إن أطلق سراحه من الاعتقال الثاني سبتمبر 2009م، حتى انخرط في حياته مجدداً، منشغلاً برعاية شؤون أسرته، وفي الوقت ذاته لم يألُ جهداً لدى الأجهزة الأمنية والمنظمات الحقوقية من أجل إطلاق سراح شقيقه الأصغر عبدالمجيد المحتجز لدى الأمن السياسي.. ولكن دون جدوى.
ومع انطلاق موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام الرئيس صالح، مطلع العام 2011، وجدها الحسني، كغيره من آلاف الشباب اليمني، طوق نجاة للتخلص من نظام كان ولا يزال يتجرع على يده مرارات الظلم والقسوة.
انضم الحسني إلى تسونامي "الربيع اليمني"، في وقت كان الجدل يدور على نطاق واسع حول مدى استفادة التنظيمات الجهادية المحلية، والمتعاطفين معها، من حالة الفوضى والخطاب الثوري الذي انتهجته هذه الثورات ضد الأنظمة الرسمية، سيما وأنه يتفق جزئياً مع الفكر الجهادي من حيث المطالبة بإسقاط هذه الأنظمة، باعتبارها "أنظمة فاسدة وظالمة وعميلة ولا تخدم شعوبها".
في اليمن كما في مصر وليبيا، لم يكن أنصار التيارات الجهادية بمختلف مستوياتهم وميولهم بعيدين عن أحداث الثورة الشبابية السلمية ضد حكم الرئيس صالح، بل كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي الذي انتفض ضد ما يقولون إنه نظام حكم "عائلي فاسد وظالم"، وبالأخص أولئك الذين كانوا وقعوا ضحايا إجراءات الحرب على "الإرهاب"، فاعتقلوا لسنوات في السجون اليمنية بدون محاكمات، أو مستهم لظى هذه الحرب بشكل أو بآخر.
انخرط الحسني في الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام اليمني في بداياتها الأولى ولكن مع ازدياد حدة القمع ضد المتظاهرين السلميين، وتواطؤ المحيط الإقليمي والدولي في بادئ الأمر مع نظام الرئيس السابق، تعززت لدى الكثير من الشباب اليمني وخصوصاً الجهاديين السابقين، القناعات القديمة لديهم بعدم جدوى النضال السلمي ضد أنظمة الاستبداد، فانسحبوا تدريجيا من الساحات، خاصة بعد أن تعرض العديد منهم لمضايقات من قبل بعض القوى الثورية، متوجهين بأعداد كبيرة إلى محافظة أبين جنوب البلاد، للانضمام إلى صفوف جماعة "أنصار الشريعة" التي كانت تخوض معارك شرسة للسيطرة على المدن الرئيسية في المحافظة، وصولاً إلى إسقاط النظام، حسب توقعاتها.
غادر الحسني بندر العاصمة صنعاء متوجهاً إلى محافظة أبين، للالتحاق بشقيقه عبدالله المطلوب أمنياً منذ مدة طويلة، وهناك بدت مهمته، بحسب أحد أصدقائه، أقرب إلى العمل الإعلامي واللوجستي منه إلى العمل المسلح، وإن كان "القاعديون" في الجملة لا ينفكون عن حمل السلاح، ويعملون بشكل متعدد المهام.
في يوليو 2012، شارك الحسني في مراسيم دفن شقيقه عبدالله، الذي لقي حتفه في مواجهات مع قوات الجيش اليمني في محافظة أبين، لكنه لم يكن بمقدوره العودة إلى أسرته لاستئناف الحياة مجدداً، في ظل الملاحقات الأمنية وإغلاق السلطات البديلة في صنعاء أية أفق للحوار مع الأشخاص الراغبين أو المترددين بالتخلي عن السلاح والعودة كمواطنين صالحين، وعليه، واصلَ مسيرته في التخفي والابتعاد.
فاجعة ثانية وثالثة
مرّت الشهور، وما كادت عائلة الحسني تتناسى مصابها في فقد ابنها عبدالله الذي لم تره منذ مدة طويلة، حتى فجعت بمقتل ابنها الثاني بندر في غارة أمريكية استهدفته ومجموعة من رفاقه بتأريخ 21 يناير2013، في سياق سلسلة من الغارات الأمريكية، تقول تقارير صحافية إنها أفشلت مساعي للهدنة بين الدولة وتنظيم "ألقاعدة"، وافق عليها التنظيم، وتقضي بوقف الغارات الأمريكية مقابل وقف الهجمات "الإرهابية".
تقول مصادر خاصة إلى "الغد" إن الحسني ورفاقه كانوا على متن سيارة بمنطقة العطيف في مديرية مدغل محافظة مأرب شرق البلاد، حين استهدفتهم صواريخ أمريكية، أسفرت، بحسب بيان وزارة الداخلية اليمنية، عن مقتل الحسني، الذي زعمت أنه سعودي الجنسية، بالإضافة إلى مقتل اثنين آخرين هما: قاسم ناصر سوده طعيمان، وعلي صالح الدولة الجشمة، مشيرة إلى إصابة كل من: عز الدين طعيمان، واحمد صالح اليزيدي.
توالت على عائلة الحسني فاجعة أخرى في اليوم التالي مباشرة، حين أفاقت على نبأ مقتل ابنها الأصغر والسجين السابق في الأمن السياسي عبد المجيد، في غارة أمريكية مماثلة، قالت مصادر قبلية إنها استهدفت سيارتين تقلان مجموعة من المسلحين في منطقة شعب الحجلة بمديرية خب الشعف في محافظة الجوف، مشيرة إلى مقتل خمسة، كانت جثامين بعضهم متفحمة ولم تعرف هوياتهم.
إذن، لم يقضِ السجين السابق عبدالمجيد الحسني على استعادته حريته وقتاً طويلاً، حتى غادر العاصمة صنعاء، قبل أن تعاجله غارة أمريكية، ربما لم يكن حينها قد حمل على عاتقه سلاحاً، ناهيك أن يكون قاتل في صفوف "القاعدة" أو استهدف مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والعالم.
لقد قتل عبدالمجيد الحسني، الذي فشلت الحكومة اليمنية في إدانته طيلة سنوات من الاحتجاز، بينما لم تخطئه صواريخ الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكن تعرف اسمه بالطبع ولا يعنيها حقه في الحياة وفي العدالة، قدر ما يعنيها الوصول إلى جسد الضحية فتحيله أشلاء ممزقة، لمجرد أنه مشتبه به، تزعم أنه قد يشكل خطراً على أمنها القومي!!.
هكذا إذن، يقتل الأشقاء الثلاثة من عائلة واحدة في حرب "الإرهاب" التي لا أحد يمكنه التنبؤ بمآلاتها والنهاية التي تقف عندها.. فيما يبقى السؤال الحائر: ما الذي تريده الولايات المتحدة بالضبط في حربٍ تعرف سلفاً أنها أخفقت في تحقيق النصر منها في بلدان أخرى من العالم، وكم يحتاج ساسة البيت الأبيض من دماء اليمنيين حتى يطمئنوا بأن أمنهم القومي أصبح في مأمن ؟!، وإلى متى يستمر حكام اليمن المتعاقبون في عبثهم بسيادة البلد واسترخاص دماء اليمنيين؟!، وهل سيتوقف حكام صنعاء عن تأجير البلد إلى واشنطن كشقة مفروشة؟!
"الغد"