في تطور تاريخي يُنهي حقبة الـ50 عاماً من التعاملات النقدية، تسدل السعودية الستار نهائياً على عصر الدفع باليد لـ300 ألف عاملة منزلية. 18 شهراً فقط تفصل مئات الآلاف من أصحاب العمل عن ثورة رقمية لا رجعة فيها - انقلاب جذري يُنهي نصف قرن من الطقوس التقليدية التي اعتادتها الأجيال، ولا توجد استثناءات أو مجال للتراجع.
وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تفرض التحويل الإلكتروني عبر منصة "مساند" كطريقة وحيدة قانونية بدءاً من 1 يناير 2026. فاطمة، العاملة الإندونيسية البالغة من العمر 34 عاماً، تكاد تطير فرحاً: "أخيراً سأضمن وصول راتبي كاملاً في موعده دون نقصان أو تأخير". سارة المطيري من الرياض، إحدى المستخدمات المبكرات للنظام، تؤكد: "النظام أسهل من الواتساب وأكثر أماناً من حمل النقد في المنزل". 4 مراحل تدريجية تُطبق بدقة عسكرية، بدأت فعلياً بالعمالة الجديدة في يوليو الماضي وستشمل الجميع بلا استثناء.
هذا التحول الجذري ليس وليد اللحظة، بل ثمرة ناضجة لرؤية 2030 الطموحة التي تستهدف تقليل التعاملات النقدية بنسبة 70% في القطاعات الحيوية. د. عبد الرحمن التميمي، استشاري التقنية المالية، يؤكد أن "هذا القرار سيوفر 2 مليار ريال سنوياً من تكاليف التعاملات النقدية ويضع السعودية في مقدمة الدول الرائدة رقمياً". المقارنة التاريخية تشبه ثورة الصرافات الآلية في الثمانينات التي غيّرت وجه التعاملات البنكية عالمياً، لكن هذه المرة الرهان أكبر والتأثير أعمق.
المشهد في المنازل السعودية سيشهد انقلاباً جذرياً - وداعاً لطقوس عدّ الأوراق النقدية وتسليم الراتب يداً بيد التي ورثتها الأجيال. أم فهد، 58 عاماً من جدة، تعترف بقلقها العميق: "اعتدت لسنوات على إعطاء راتب العاملة نقداً، الآن أشعر بالإرهاق من تعلم التقنيات الجديدة". بالمقابل، خالد العنزي من الدمام يروي تجربته الإيجابية: "بعد استخدام النظام، تحسنت علاقتي بالعاملة وأصبح كلانا مطمئن لوصول المال في الموعد المحدد". النتيجة المتوقعة: انخفاض النزاعات المالية بنسبة تتجاوز 80% وضمان حقوق أقوى لثلث مليون عامل منزلي.
العد التنازلي بدأ، والسؤال الحاسم الذي يواجه كل أسرة سعودية: هل أنت مستعد لوداع عصر الدفع النقدي نهائياً؟ الخبراء ينصحون بثلاث خطوات حاسمة: التسجيل الفوري في منصة "مساند"، تعلم النظام تدريجياً بمساعدة الأقارب الشباب، وحفظ المعلومات المصرفية للعمالة. هذا ليس مجرد تغيير تقني بسيط، بل نقلة حضارية نحو مجتمع أكثر عدالة وشفافية - والزمن لن ينتظر أحداً.