في إنجاز بيئي استثنائي يعيد كتابة تاريخ الصحراء العربية، نجحت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية في استعادة أقل من 1000 طائر متبقٍ في العالم كله - النعام ذو الرقبة الحمراء المهدد بالانقراض، ليحلق مجدداً في أرض أجداده بعد أكثر من قرن كامل من الاختفاء. هذا المشروع البيئي التاريخي قد يكون آخر أمل لإنقاذ نوع كامل من الزوال إلى الأبد، في معجزة صحراوية حقيقية تحت راية الرؤية السعودية الطموحة.
خمس نعامات ذات رقبة حمراء وصلت إلى مساحة شاسعة تبلغ 24,500 كيلومتر مربع - تعادل حجم دولة بأكملها - لتبدأ فصلاً جديداً من فصول الحياة البرية العربية. "د. سارة النمري، عالمة الأحياء الشابة المشاركة في المشروع، تصف اللحظة بالقول: 'شاهدت الدموع في عيون فريق العمل عندما خطت أول نعامة خطواتها على الرمال الذهبية'". المحمية التي تضم 15 نظاماً بيئياً مختلفاً تحتضن الآن 50% من جميع الأنواع البيئية في السعودية رغم أنها تشغل 1% فقط من مساحة المملكة، مما يجعلها كنزاً بيئياً حقيقياً.
يحمل هذا الإنجاز في طياته قصة مأساوية بدأت في مطلع القرن العشرين عندما اختفى النعام العربي بسبب الصيد الجائر وفقدان الموائل، تاركاً وراءه إرثاً شعرياً عربياً عريقاً يتغنى بقوته وسرعته. أندرو زالوميس، الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير المحمية، يؤكد أن "لا تكتمل إعادة تأهيل النظم البيئية مالم تتم إعادة توطين الأنواع التي فُقدت". هذا المشروع يأتي كجزء من رؤية 2030 الطموحة التي تهدف لحماية 30% من أراضي المملكة ومياهها بحلول 2030، بعد النجاح المبهر في إعادة توطين 11 نوعاً آخر كالمها العربي وغزال الرمل.
التأثير لا يقتصر على البيئة فحسب، بل يمتد ليشمل فرصاً سياحية بيئية جديدة تماماً ووعياً بيئياً متزايداً بين السعوديين. فهد البادية، المرشد السياحي الستيني من نيوم، يتذكر بحسرة: "جدي كان يحكي لي عن النعام الذي اختفى قبل ولادتي، واليوم أرى أحفادي يشاهدونه بأم أعينهم". الخبراء يتوقعون أن تصبح السعودية نموذجاً عالمياً لإعادة تأهيل الأنظمة البيئية الصحراوية، خاصة مع النجاح المحتمل في تكاثر هذه الطيور النادرة. عبدالله المطيري، مصور الحياة البرية الذي وثق لحظة الوصول، يصف المشهد: "ريش النعام يتلألأ تحت شمس الصحراء وعيونه الواسعة تراقب بيقظة بيئته الجديدة-القديمة".
هذا الإنجاز البيئي التاريخي يضع السعودية في موقع الريادة العالمية للاستدامة البيئية، مع إعادة توطين نوع واحد من أصل 23 نوعاً مستهدفاً في خطة شاملة لإعادة إحياء الصحراء العربية. التعاون بين المحمية والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، إلى جانب المحميات الملكية الأخرى وشراكات مع أرامكو ونيوم والهيئة الملكية لمحافظة العلا، يعكس رؤية متكاملة للتنمية المستدامة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: إذا نجحت السعودية في إحياء النعام بعد قرن من الانقراض، فماذا يمكن أن نحقق للأنواع الأخرى المهددة قبل فوات الأوان؟