في تطور دبلوماسي قد يعيد رسم خريطة النفوذ في أحد أهم الممرات البحرية العالمية، جرت مباحثات سرية رفيعة المستوى بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإريتري إسياس أفورقي في قصر اليمامة بالرياض. 1.2 تريليون دولار تعبر سنوياً عبر ممر بحري لا يتجاوز عرضه 30 كيلومتراً - وهو الرقم الذي يجعل من هذا اللقاء أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي اعتيادي. بينما تتصاعد التهديدات في البحر الأحمر، تتحرك الرياض بهدوء لتأمين أهم طرق التجارة العالمية.
خلف الأبواب المغلقة لقصر اليمامة، شهدت قاعات الاجتماعات نقاشات مكثفة حول مستقبل منطقة تتحكم في 12% من التجارة العالمية و30% من حركة الحاويات عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي. "استعراض آفاق التعاون في مختلف المجالات" - كما جاء في البيان الرسمي - عبارة دبلوماسية تخفي وراءها اتفاقيات محتملة قد تغير موازين القوى في المنطقة. د. فهد المالكي، الخبير الاقتصادي، يؤكد: "إريتريا مفتاح السيطرة على مضيق باب المندب، وهذا التحالف فرصة ذهبية لتأمين طرق التجارة ضد التهديدات المتزايدة."
تأتي هذه المباحثات في ظل تصاعد التهديدات الأمنية التي يشهدها البحر الأحمر، حيث تتذكر المنطقة أزمة قناة السويس في 2021 وتأثيرها الاقتصادي المدمر على التجارة العالمية. البحر الأحمر بالنسبة للتجارة العالمية كالشريان الأورطي للقلب - تشبيه يستخدمه الخبراء لوصف أهمية هذا الممر الذي يحمل 4.8 مليون برميل نفط يومياً. الهجمات الحوثية المتكررة على السفن التجارية والتدخل الإيراني المتنامي في المنطقة دفعا الرياض للبحث عن حلول جذرية، وإريتريا - بموقعها الاستراتيجي - تمثل قطعة أساسية في هذه الاستراتيجية.
بالنسبة للمواطنين في دول الخليج، قد تعني هذه التطورات استقراراً أكبر في أسعار الوقود والسلع المستوردة التي تعبر هذا الممر الحيوي. محمد العتيبي، ربان سفينة سعودية، يصف مخاوفه: "كل يوم نعبر فيه البحر الأحمر نخشى الهجمات، هذا التعاون قد يعيد لنا الأمان." أحمد موسى، تاجر من جيبوتي، يؤكد تحسن الأوضاع الأمنية مع تزايد التعاون الإقليمي، بينما تفتح الاستثمارات السعودية المحتملة في الموانئ الإريترية آفاقاً جديدة للتجارة والنمو الاقتصادي. لكن د. سارة الشهري، خبيرة الشؤون الإفريقية، تحذر من أن "أي تحالف جديد سيواجه مقاومة من القوى الإقليمية المنافسة."
مع تزايد الاهتمام العالمي بأمن الطرق البحرية، تبدو هذه المباحثات بداية لتحول جذري قد يشهده البحر الأحمر من منطقة توتر إلى طريق آمن للتجارة العالمية. على المستثمرين ترقب فرص جديدة في قطاعي النقل البحري والطاقة، وعلى المواطنين متابعة تطورات قد تؤثر على حياتهم اليومية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستنجح هذه الخطوة الدبلوماسية الجريئة في تأمين شريان الاقتصاد العالمي، أم ستشعل صراعاً جديداً في منطقة القرن الإفريقي الحساسة؟