في تطور يعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي، نجحت الرياض في جذب 600 شركة عالمية عملاقة لإنشاء مقراتها الإقليمية خلال أقل من 4 سنوات فقط - رقم يفوق ما حققته مدن اقتصادية كبرى في عقود كاملة. البنوك العالمية الكبرى مثل HSBC وJ.P. Morgan تتسابق اليوم لافتتاح مقراتها في مدينة كانت مجرد محطة عبور منذ سنوات قليلة، في مشهد يؤكد أن القطار الاقتصادي السعودي ينطلق بسرعة الصاروخ.
منذ إطلاق برنامج المقرات الإقليمية عام 2021، شهدت العاصمة تحولاً استثنائياً حيث وصل عدد الشركات العالمية التي اختارت الرياض مقراً إقليمياً إلى 600 شركة بحلول 2025. أحمد العلي، 28 سنة، يحكي قصة تحوله من موظف في بنك محلي إلى مدير في HSBC براتب تضاعف ثلاث مرات: "لم أتخيل أن أعمل في بنك عالمي دون مغادرة وطني، الرياض اليوم تقدم فرصاً كنت أحلم بها في لندن أو نيويورك". وفق التقارير الرسمية، تقدر وزارة الاقتصاد والتخطيط أن هذا التحول سيضخ 70 مليار ريال سنويًا في الناتج المحلي الإجمالي.
لم يأت هذا النجاح من فراغ، بل جاء نتيجة رؤية استراتيجية واضحة انطلقت مع رؤية السعودية 2030 التي قادتها القيادة الرشيدة. الاستقرار السياسي والإصلاحات الاقتصادية المتتالية، إلى جانب البنية التحتية المتطورة والتسهيلات التشريعية، شكّلت بيئة جاذبة للاستثمار. محافظة المملكة على تصنيفها الائتماني المرتفع A+ من فيتش وAa3 من موديز بنظرة مستقرة، يضعها في مصاف الاقتصادات الأقوى عالمياً، متفوقة بذلك على مراكز مالية تقليدية استغرقت عقوداً لبناء سمعتها.
يشعر المواطنون والمقيمون اليوم بتأثير مباشر لهذا التحول على حياتهم اليومية، حيث تتوقع الحكومة توفير 30 ألف وظيفة نوعية في قطاعات الإدارة والخدمات والتقنية والاستشارات. فاطمة المحمد، إدارية أعمال، استثمرت مدخراتها في صناديق مرتبطة بالمقرات الجديدة وحققت عوائد 40%: "الرياض تتحول أمام أعيننا، والفرص الاستثمارية تتضاعف يومياً". منطقة كافد اليوم تضج بالحياة، حيث ناطحات السحاب الزجاجية تضيء السماء، وأصوات المؤتمرات الدولية تتردد في قاعات الاجتماعات، بينما شاشات البورصة تعرض أرقاماً خضراء صاعدة تحكي قصة نجاح لا تتوقف.
ما يحدث في الرياض اليوم ليس مجرد توسع اقتصادي، بل تحول استراتيجي يضع المملكة على خريطة الاقتصاد العالمي كقوة لا يُستهان بها. بأرقام تشمل 600 شركة عالمية و70 مليار ريال سنويًا و30 ألف وظيفة نوعية، تكتب الرياض فصلاً جديداً في تاريخ المراكز المالية العالمية. بحلول 2030، تقف العاصمة على أعتاب أن تصبح منافساً قوياً لدبي وهونغ كونغ وسنغافورة. لكن السؤال الذي يبقى: هل ستكون جزءاً من قصة النجاح هذه، أم ستكتفي بمشاهدتها من بعيد؟