في تطور يعيد تعريف مفهوم الرعاية الصحية في الريف المصري، كشفت زيارة رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي لقرية طحانوب اليوم عن استثمار حكومي ضخم بلغ 60 مليون جنيه لمركز طبي واحد فقط، في إنجاز يضع 83 موظفاً طبياً متخصصاً وسط حقول القطن لخدمة 20 ألف مواطن. هذا الرقم الصاعق يعني أن الدولة استثمرت 3000 جنيه سنوياً لكل مواطن في منطقة كانت محرومة من أبسط الخدمات الطبية لعقود.
المفاجأة الحقيقية تكمن في أن هذا المركز ليس سوى واحد من 24 مشروعاً مماثلاً في مركز شبين القناطر وحده، بإجمالي استثمارات تتجاوز 1.4 مليار جنيه في منطقة جغرافية صغيرة. د. أسامة الشلقاني، وكيل وزارة الصحة بالقليوبية، كشف أن المركز المقام على مساحة 850 متراً مربعاً ويضم 58 غرفة متخصصة، يقدم خدمات طبية كانت حكراً على العاصمة والمدن الكبرى. "فاطمة محمد، أم لثلاثة أطفال، تروي كيف كانت تضطر للسفر 50 كيلومتراً للحصول على فحص طبي بسيط لأطفالها، أما اليوم فالمركز على بُعد دقائق من منزلها."
هذا التحول الجذري يأتي ضمن مبادرة "حياة كريمة" الرئاسية التي تستهدف تطوير 4500 قرية مصرية، في أكبر مشروع تنموي شهدته مصر منذ عهد محمد علي باشا. د. خالد عبد الغفار، وزير الصحة، أوضح أن هذه المراكز تعمل عبر "منظومة متكاملة من الخدمات تصل إلى مختلف القرى"، مؤكداً أن الهدف تحقيق العدالة الصحية التي غابت عن الريف المصري لعقود. الخبراء يقارنون هذا الإنجاز بـ"ثورة حقيقية في الطب الريفي" قد تغير وجه مصر الصحي خلال السنوات القادمة، خاصة مع توفير 2000 وظيفة طبية جديدة في هذه المنطقة وحدها.
بالنسبة للمواطن العادي، يعني هذا المركز توفير 200-500 جنيه شهرياً كانت تُنفق على السفر للعلاج، و4-6 ساعات وقت كانت تُهدر في الطريق إلى المستشفيات البعيدة. محمد علي، مزارع ستيني من القرية، يصف مشاعره: "لم أصدق عيني عندما رأيت هذا الصرح الطبي في قريتنا البسيطة.. أجهزة طبية حديثة ورائحة المعقمات تملأ المكان." المركز يضم خدمات شاملة تتراوح من طب الأسرة والأسنان إلى الأشعة والمعامل والصيدلية، بالإضافة لخدمات الطوارئ والعلاج الطبيعي. د. أحمد السيد، طبيب شاب قرر العمل في المركز بدلاً من الهجرة للخارج، يؤكد: "هذه فرصة لخدمة أهل قريتي بنفس جودة الخدمات المتاحة في أفضل مستشفيات القاهرة."
مع اكتمال تنفيذ المشروع بنسبة 100% وبدء التشغيل الفعلي، تبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الصحة المصرية. التوقعات تشير إلى انخفاض معدلات وفيات الأطفال والأمهات، وزيادة الوعي الصحي، وجذب استثمارات جديدة للمناطق المطورة. د. محمود الطاهر، خبير الصحة العامة، يتوقع أن "هذا النموذج سيغير وجه الطب الريفي في مصر خلال 5 سنوات" مع إمكانية تصديره للدول النامية. التحدي الآن يكمن في تعميم هذا النموذج على 4500 قرية مصرية وضمان استمرارية الخدمات عالية الجودة، فهل ستنجح مصر في تحويل هذا الحلم إلى واقع في كل قرية؟