في عصر تنتشر فيه الأخبار خلال ثوانٍ معدودة، تمكّن خبر واحد قديم من خداع آلاف الباحثين عن العمل والمتابعين للشؤون اليمنية عبر إعادة تدويره كمعلومة "جديدة" حول اتفاقية التعاون بين البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن ومؤسسة الوليد بن طلال. الصادم أن الخبر انتشر بسرعة النار في الهشيم قبل أن يكتشف فريق التحقق أنه من عدة أشهر مضت - مما أثار موجة من الإحباط بين من ظنوا أن فرص التدريب والإسكان متاحة الآن فوراً.
أحمد محمد، شاب يمني عاطل عن العمل من العاصمة صنعاء، كان من بين آلاف الذين تفاعلوا مع الخبر بحماس شديد. "قضيت الليلة كاملة أبحث عن طريقة للتسجيل في برنامج التدريب، وأعددت كل الأوراق المطلوبة،" يروي أحمد بمرارة واضحة. الأرقام المذكورة في الاتفاقية مُغرية حقاً: 1000 وحدة سكنية تعادل حي سكني متكامل، و5000 مستفيد مباشر وغير مباشر، و1000 فرصة تدريب للشباب اليمني - أرقام كافية لإثارة الأمل في نفوس من يعيشون أوضاعاً صعبة منذ سنوات.
السياق خلف هذا الخطأ الإعلامي يكشف مشكلة أعمق في عصر السرعة الرقمية. الحاجة النفسية الماسة للأخبار المُبشرة في ظل الأوضاع اليمنية الصعبة دفعت العديد من المنصات الإعلامية لإعادة نشر المحتوى دون التحقق من تاريخه. د. علي الحكيمي، خبير الإعلام الرقمي، يحذر قائلاً: "هذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها إعادة تدوير الأخبار القديمة، والمشكلة تتفاقم مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي." الظاهرة تذكرنا بإعادة بث الأفلام القديمة في التلفزيون دون الإشارة الواضحة لتاريخ إنتاجها - لكن الفارق هنا أن الثمن هو ثقة الجمهور وآماله المشروعة.
التأثير الحقيقي لهذا الخطأ يتجاوز مجرد سوء فهم بسيط. فاطمة أحمد، الصحفية اليمنية التي شاهدت الارتباك عن كثب، تصف المشهد: "رأيت الحماس في عيون الشباب يتحول إلى إحباط عميق خلال ساعات قليلة، وهذا يؤثر على ثقتهم في أي أخبار إيجابية مستقبلية." الخطر الأكبر أن هذه الحادثة قد تُستغل لزرع الشك في جهود الدعم السعودي الحقيقية لليمن، أو تدفع الناس للتشكيك في كل المبادرات الإنسانية القادمة. النصيحة الذهبية هنا بسيطة لكنها حيوية: دقيقة واحدة للتحقق من تاريخ أي خبر قد توفر ساعات من الإحباط غير المبرر.
بينما يواصل فريق التحقق في "اليمن برس" جهودهم المحمودة لكشف مثل هذه المعلومات المضللة، يبقى السؤال الأهم معلقاً: في عصر المعلومات السريعة، هل نحن مستعدون للتضحية بالدقة من أجل السرعة؟ الجواب يحدده كل قارئ بنقرة واحدة قبل المشاركة - تحقق، ثم شارك، ولا تدع الحماس يتغلب على الحكمة.