في تطور مذهل قد يغير وجه التاريخ، يحمل مشروع عملاق بتكلفة 20 مليار دولار إمكانية تحويل اليمن من أكثر دول العالم العربي معاناة إلى أغنى مركز تجاري استراتيجي يربط قارتين بجسر واحد. جسر باب المندب العملاق - الذي يمتد 28.5 كيلومتر فوق المياه - قد يعيد رسم خريطة التجارة العالمية ويصنع مصير 16 دولة أفريقية ودول الخليج معاً. لكن بعد 16 عاماً من التأجيل، السؤال المصيري: هل سيصبح هذا الحلم حقيقة أم سيبقى مجرد وهم؟
التصميم المقترح للجسر يتضمن طريقاً سريعاً بـ6 مسارات وخط سكة حديد بـ4 مسارات، إلى جانب خطوط نقل الغاز والمياه، مما يجعله أعظم مشروع هندسي في المنطقة. "مدينتا النور" على طرفي الجسر ستشغل مساحة 2100 كيلومتر مربع - أي أكبر من دولة البحرين مرتين ونصف. أحمد المقطري، التاجر اليمني الذي فقد تجارته بسبب الصراع، يحلم بعودة اليمن مركزاً تجارياً: "هذا المشروع سيعيد لنا كرامتنا ومكانتنا التاريخية كبوابة التجارة العالمية". الخبراء يؤكدون أن الجسر سيختصر آلاف الكيلومترات من رحلات الشحن ويخفض تكاليف النقل بنسب كبيرة.
الفكرة ليست جديدة - فقد طُرحت لأول مرة عام 2008، لكن الصراعات المستمرة حولت هذا الحلم إلى كابوس مؤجل. مضيق باب المندب، الذي يتحكم في 10% من التجارة العالمية، كان دائماً بوابة حضارية بين الشرق والغرب منذ عهد ملكة سبأ. د. سارة الأفريقية، الخبيرة الاقتصادية التي تنبأت بأهمية هذا المشروع منذ عقد، تؤكد: "هذا المشروع سيحدث نقلة نوعية في الاقتصادات الإقليمية أكبر من تأثير قناة السويس". المقارنات التاريخية تشير إلى أن الجسر قد يصبح أهم من جسر البوسفور في اسطنبول من حيث التأثير الاستراتيجي.
التأثير على الحياة اليومية سيكون ثورياً - أسعار السلع المستوردة ستنخفض بشكل كبير، وستُخلق مئات الآلاف من فرص العمل في قطاعات اللوجستيات والتجارة والخدمات. فاطمة الجيبوتية، الصيادة المحلية، تتطلع لتحول قريتها الصغيرة إلى مدينة عصرية: "أحلم بأن أرى أحفادي يعملون في ناطحات سحاب بدلاً من قوارب الصيد". لكن المخاطر حقيقية - استمرار عدم الاستقرار قد يقضي على هذه الفرصة التاريخية نهائياً. السيناريو الأسوأ يشمل ضياع استثمارات بمليارات الدولارات وتحول الحلم إلى كابوس اقتصادي. المستثمرون العالميون ينتظرون إشارات الاستقرار لضخ الأموال في هذا المشروع العملاق.
رغم التحديات الجوهرية - من الوضع الأمني المضطرب إلى التعقيدات الهندسية الهائلة - يبقى جسر باب المندب أملاً حقيقياً لتحويل منطقة الصراع إلى واحة سلام وازدهار. د. محمد الخليجي، أستاذ الهندسة المدنية، يؤكد: "التقنية متوفرة والتمويل ممكن، لكن السياسة هي المعطل الوحيد". الفرصة أمام المنطقة لتصبح جسراً حقيقياً بين الحضارات والقارات، أم ستبقى مجرد حلم محطم بين الماضي والمستقبل؟ الإجابة تكمن في قرارات الساعات القادمة - فالعالم ينتظر، والتاريخ يُكتب الآن.