في مشهد يتكرر شهرياً ولكن لا يفقد بريقه أبداً، استيقظ 9.8 مليون مواطن سعودي صباح الأربعاء على أصوات إشعارات هواتفهم تحمل أخبار سعيدة: 3 مليارات ريال تدفقت إلى حساباتهم المصرفية في الدفعة السابعة والتسعين من برنامج حساب المواطن. هذا المبلغ الضخم، الذي يعادل ميزانيات دول بأكملها، وصل خلال ساعات قليلة ليحول القلق المالي إلى راحة في ملايين البيوت السعودية.
عبدالله الهاجري، مدير عام التواصل لبرنامج حساب المواطن، كشف عن أرقام مذهلة تؤكد حجم هذا الإنجاز: "إجمالي ما دفعه البرنامج للمستفيدين منذ انطلاقته أكثر من 262 مليار ريال". أبو سعد، موظف متقاعد من جدة، يروي تجربته: "منذ 6 سنوات وهذا البرنامج يأتيني كالفرج بعد الشدة، 1600 ريال شهرياً ساعدتني على تسديد قروضي وتأمين احتياجات أسرتي". اليوم، حصل 72% من المستفيدين على متوسط 1474 ريال للأسرة الواحدة، بينما شملت الدفعة أكثر من 2 مليون رب أسرة.
رحلة البرنامج بدأت في 2017 كجزء من رؤية 2030 الطموحة، عندما أدركت القيادة السعودية ضرورة حماية المواطنين من تأثيرات الإصلاحات الاقتصادية الجذرية. ما بدأ كتعويض عن رفع أسعار الوقود وفرض ضريبة القيمة المضافة، تحول إلى أكبر برنامج دعم مباشر في تاريخ المنطقة. د. فهد المالي، خبير اقتصادي في جامعة الملك سعود، يؤكد: "هذا البرنامج نجح في تحقيق أهدافه كشبكة أمان اجتماعي فعالة، مقارنة ببرامج الرعاية الاجتماعية في أفضل الدول".
لكن وراء هذه الأرقام الضخمة قصص إنسانية متنوعة. سارة العتيبي، أم لطفلين من الدمام، تقول بفرح: "الدعم وصل صباح اليوم وسأستخدمه لشراء احتياجات المدرسة ودفع فاتورة الكهرباء". في المقابل، تعيش أم محمد، ربة منزل من الرياض، قلقاً شديداً لأنها لم تحصل على الدعم هذا الشهر لأول مرة منذ سنتين، وهي تتساءل عن السبب بينما تفكر في مصروف أطفالها الثلاثة. هذا التناقض يعكس حقيقة أن 28% من المتقدمين لم يستوفوا معايير الاستحقاق هذا الشهر، مما يثير تساؤلات حول العدالة في التوزيع.
بينما تستعد الأسواق والمولات السعودية لموجة انتعاش متوقعة خلال الأيام القادمة، يبقى السؤال الأهم: هل ستستمر هذه المليارات في التدفق حتى 2030 كما هو مخطط؟ الخبراء الاقتصاديون متفائلون لكنهم ينصحون المواطنين بعدم الاعتماد الكامل على هذا الدعم وتطوير مصادر دخل إضافية. فمع تطور الاقتصاد السعودي وتنوعه، قد تأتي مرحلة جديدة تتطلب أدوات مختلفة لضمان الرفاهية المستدامة.