بعد شهور من الانتظار المؤلم الذي عاشته مئات الآلاف من العائلات اليمنية، أعلنت وزارة النقل عن قرار يشبه المطر بعد جفاف طويل - صرف مرتبات شهرين كاملين للموظفين النازحين دفعة واحدة. في خطوة قد تعني الفرق بين البقاء والهجرة لآلاف العائلات، بدأت عملية الصرف عبر شبكة بنك عدن حوالة، لكن النافذة الزمنية للاستفادة قد تكون محدودة في بلد يعيش على إيقاع عدم اليقين.
"لم نتسلم مرتباتنا منذ شهور، هذا الصرف بمثابة نفس جديد لعائلاتنا" - هكذا عبر عبدالله حسن، أحد الموظفين النازحين، عن مشاعر مختلطة من الفرح والقلق. أحمد محمد، موظف نازح من صنعاء يعيش في عدن مع زوجته وأطفاله الأربعة، يحمل أوراقه الرسمية متوجهاً لأقرب نقطة صرف - وجهه يحمل ملامح الأمل الحذر، فهو يعلم أن راتب شهرين قد لا يكفي لتغطية الديون المتراكمة من أشهر الانتظار الطويلة.
خلف هذا الإعلان تقف حقيقة مؤلمة: أكثر من 4.5 مليون يمني نازح داخلياً، منهم مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين الذين فقدوا مصدر رزقهم الوحيد. د. محمد الهمداني، الخبير الاقتصادي، يضع النقاط على الحروف: "صرف المرتبات للنازحين خطوة مهمة لكنها تحتاج استمرارية وتطوير آليات أفضل" - كلمات تحمل في طياتها تحذيراً من أن هذا الفرج قد يكون مؤقتاً في ظل أزمة اقتصادية تضرب البلاد منذ سنوات.
في أزقة عدن الضيقة وشوارع المديريات المختلفة، تتشكل طوابير من الوجوه المتعبة أمام نقاط الصرف - أصوات الارتياح تختلط بهمسات القلق من المستقبل. فاطمة علي، الموظفة التي تطوعت لمساعدة زملائها النازحين، تشرح الإجراءات بصبر، بينما ترن الهواتف باستمرار والموظفون يتأكدون من وصول المبالغ لحساباتهم. المشهد يذكر بأيام الأعياد، لكن الفرحة هنا مشوبة بطعم المرارة - فراتب شهرين لن يعوض سنوات من المعاناة والحرمان.
"هذا الإجراء يأتي ضمن جهودنا لمعالجة التراكمات والوصول لحقوق الموظفين في الوقت المناسب" - تؤكد الجهات المختصة، لكن السؤال الذي يؤرق النوم هو: هل سيكون هذا بداية انفراجة حقيقية أم مجرد هدنة مؤقتة في معاناة مستمرة؟ في بلد يعيش 80% من سكانه تحت وطأة الحاجة للمساعدات الإنسانية، كل راتب قد يكون الخيط الرفيع الذي يربط عائلة كاملة بالحياة الكريمة.