في تطور يُعتبر بمثابة كارثة اقتصادية حقيقية، تواصل الفجوة الصادمة في أسعار صرف الريال اليمني اتساعها يومياً، حيث يُجبر المواطنون على دفع 1080 ريالاً إضافياً لشراء دولار واحد في عدن مقارنة بصنعاء. في مشهد لم تشهده العملات العربية من قبل، تحولت اليمن إلى دولة بعملة واحدة لكن بقيمتين مختلفتين تماماً، مما يعكس حجم الانهيار الاقتصادي المدمر الذي يعصف بالبلاد.
وسط هذه الأزمة الخانقة، يروي أحمد المهدي، موظف حكومي من صنعاء، معاناته اليومية: "أحتاج إلى 1620 ريالاً لشراء دولار واحد، بينما زميلي في عدن يدفع 540 ريالاً فقط لنفس الدولار." هذا التفاوت الجنوني، الذي يصل إلى أكثر من 200%، حول الحياة اليومية للمواطنين إلى جحيم حقيقي، حيث تتآكل مدخراتهم مثل قطعة الثلج تحت الشمس الحارقة. البنك المركزي في عدن يواصل محاولاته اليائسة لضبط المضاربات، لكن الوضع يفلت من السيطرة يوماً بعد يوم.
هذا المشهد المأساوي لم يحدث بين عشية وضحاها، فقد انهار الريال اليمني من 215 ريالاً للدولار قبل اندلاع الحرب عام 2014، ليصل اليوم إلى أرقام فلكية تتجاوز 1600 ريال في بعض المناطق. الانقسام السياسي والحرب الاقتصادية المستمرة بين السلطات المتنافسة خلقا سوقين منفصلين للصرف، في مشهد يذكرنا بانهيار ألمانيا الاقتصادي بعد الحرب العالمية الأولى. الخبراء يحذرون من أن "الوضع غير مستدام ويتجه نحو انهيار أكبر إذا لم تُتخذ إجراءات جذرية فورية."
في الأسواق الشعبية، تتردد أصداء معاناة حقيقية، حيث تقول فاطمة، تاجرة في سوق الصرافة بعدن: "نشهد يومياً دموع المواطنين وهم يحملون أكوام من الأوراق النقدية المتآكلة لشراء حاجاتهم الأساسية." فارق الـ285 ريالاً في سعر الريال السعودي بين المنطقتين يعادل وجبة طعام كاملة لعائلة من أربعة أفراد، مما يعني أن المواطنين يفقدون قوتهم الشرائية حتى للضروريات. المستوردون يواجهون صعوبات جمة في التخطيط لأعمالهم، بينما المغتربون اليمنيون يعانون في تحديد قيمة تحويلاتهم لذويهم.
في ظل هذا الانهيار المتواصل، تبقى الأسئلة الحارقة معلقة في الهواء: هل ستجد اليمن طريقاً للخروج من هذا النفق المظلم؟ وكم من الوقت تحتاجه العملة اليمنية لتستعيد وحدتها واستقرارها؟ الساعات تدق بلا رحمة، والمواطن البسيط يدفع الثمن الأغلى في معركة لا ذنب له فيها. الحل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وتدخل دولي فعال، وإلا فإن مستقبل الاقتصاد اليمني سيظل معلقاً بخيط أرفع من خيط العنكبوت.