في تطور يثير الدهشة وسط عاصفة التقلبات العالمية، حافظ الريال السعودي على استقراره المطلق لمدة 39 عاماً متواصلة، مسجلاً رقماً قياسياً عالمياً لم تحققه أي عملة أخرى. 3.75 ريال بالضبط لمدة شهر كامل - رقم لم يتغير حتى بالهللة الواحدة، بينما تتصارع عملات العالم في بحر من التذبذبات، يقف الريال السعودي شامخاً كالجبل، مثيراً تساؤلات المتداولين حول سر هذا الثبات الاستثنائي.
سجلت أسواق الصرف اليوم الثلاثاء سعر 3.75 ريال للشراء و3.79 ريال للبيع، مع انخفاض ضئيل بنسبة 0.01% فقط، في أصغر نسبة تذبذب شهدتها العملات الخليجية على الإطلاق. "هذا الاستقرار يعكس قوة لا تُقهر في النظام المصرفي السعودي"، يؤكد د. عبدالله الخبير الاقتصادي، بينما تتراوح الأسعار في نطاق ضيق جداً بين 3.7526-3.7531 ريال. محمد التاجر، صاحب مؤسسة استيراد، يروي: "رغم معاناتي من ارتفاع تكاليف الشحن، إلا أن ثبات العملة منحني قدرة على التخطيط بثقة مطلقة".
جذور هذا الاستقرار تمتد إلى عام 1986، عندما اتخذت المملكة قراراً تاريخياً بربط الريال بالدولار كجزء من هويتها الاقتصادية. صمد النظام أمام أعتى العواصف: أزمة 2008 المالية، جائحة كوفيد-19، وتذبذبات أسعار النفط الجنونية. الاحتياطيات الضخمة والاقتصاد النفطي القوي، مدعومان بسياسة نقدية حكيمة، شكلوا قلعة منيعة تحمي الريال من العواصف العالمية. الخبراء يتوقعون استمرار هذا الاستقرار، مدعوماً برؤية 2030 والإصلاحات الاقتصادية الجذرية التي تُشبه قوة جذب مغناطيسية تحافظ على التوازن.
على أرض الواقع، يترجم هذا الثبات إلى استقرار أسعار البنزين والسلع المستوردة، وطمأنينة في المرتبات والمدخرات. فاطمة المستثمرة تحكي بفخر: "حققت أرباحاً مستقرة من الاستقرار النقدي في محفظتي المتنوعة، بينما زملائي في دول أخرى يعانون من التقلبات". المملكة تتجه نحو تعزيز مكانتها كوجهة استثمارية آمنة، مع فرص ذهبية للاستثمار طويل المدى. لكن أحمد المسافر يلاحظ: "لم تتغير تكلفة رحلاتي الخارجية منذ شهرين، مما يعني قوة شرائية ثابتة"، بينما يُحذر المحللون من المضاربة قصيرة المدى في ظل هذا الاستقرار المدهش.
الريال السعودي اليوم ليس مجرد عملة، بل رمز لقوة اقتصادية تتحدى المتغيرات العالمية. مع توجه المملكة نحو تنويع أكبر للاقتصاد مع الحفاظ على الاستقرار النقدي، تتفتح آفاق جديدة للاستثمار والتخطيط المالي طويل المدى. هل سيبقى الريال السعودي الملاذ الآمن الوحيد في عالم يغرق في بحر التقلبات؟
