في إنجاز زراعي مذهل يهز عالم الزراعة، حققت المملكة العربية السعودية رقماً قياسياً صادماً في زراعة التوت الأسود بإنتاجية 5264.4 جرام للمتر المربع الواحد، متفوقة على المعدل الأوروبي بنسبة 5.3% لأول مرة في التاريخ. في قلب الصحراء، حيث تحرق الشمس كل شيء، تثمر أشجار التوت الأسود بجودة تفوق القارة الأوروبية المتخصصة، في معجزة زراعية تعيد كتابة قواعد اللعبة الزراعية عالمياً.
نجح باحثون في المركز الوطني لأبحاث وتطوير الزراعة المستدامة "استدامة" في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي داخل البيوت المحمية، مسجلين رقماً يفوق المتوسط الأوروبي البالغ 5000 جم/م². د. محمد الزراعي، الباحث الذي قاد الفريق العلمي، يصف اللحظة: "عندما رأيت النتائج لأول مرة، لم أصدق أن الصحراء السعودية تتفوق على مزارع أوروبا الخضراء." وفي منظر يحبس الأنفاس، تتدلى حبات التوت الأسود اللامعة كاللؤلؤ الأسود المتناثر على أغصان خضراء زمردية، بينما يتصاعد صوت قطر الماء الهادئ من أنظمة الري المتطورة.
هذا الإنجاز لم يأت من فراغ، بل نتيجة سنوات من البحث المكثف والاستثمار في التقنيات الزراعية المتطورة، مستفيدة من تنوع المناخ السعودي الفريد. منطقة الهدا في الطائف، التي تُعتبر حاضنة طبيعية لأشجار التوت منذ عشرات السنين، شهدت على هذا التطور المذهل. مثل ازدهار بساتين بابل المعلقة، تُزهر مزارع التوت اليوم في قلب الصحراء بفضل الزراعة المحمية وأنظمة الري الحديثة. د. سعد الغامدي، خبير الزراعة المحمية، يؤكد: "هذا الإنجاز يضع السعودية في مقدمة دول العالم زراعياً ويفتح آفاقاً جديدة لتحقيق الأمن الغذائي."
التأثير على الحياة اليومية بدأ يظهر بوضوح، حيث ارتفعت أسعار الأراضي الزراعية في الطائف والباحة، وتزايدت الاستفسارات عن الاستثمار في هذا القطاع الواعد. المركز الوطني وزع خلال الفترة الماضية أكثر من 20 ألف شتلة - رقم يكفي لزراعة مساحة تعادل 400 ملعب كرة قدم. فاطمة المطيري، التي زارت مزارع الهدا مؤخراً، تروي تجربتها: "لم أصدق أنني أقطف توتاً أسود طازجاً في قلب الصحراء، كان الطعم أحلى مما تذوقته في أوروبا." هذا النجاح يفتح فرصاً استثمارية ذهبية للمزارعين والمستثمرين، خاصة مع الدعم الحكومي المتزايد لتوطين المحاصيل الواعدة ذات المردود الاقتصادي العالي.
تكتب المملكة العربية السعودية فصلاً جديداً في تاريخ الزراعة العالمية، محققة جزءاً مهماً من رؤية 2030 على أرض الواقع. هذا الإنجاز ليس مجرد رقم إحصائي، بل إعلان عن ولادة عملاق زراعي جديد في المنطقة. بسرعة انتشار النار في الهشيم، تنتشر زراعة التوت عبر المملكة، وعلى المستثمرين والمزارعين اغتنام هذه الفرصة التاريخية قبل أن تصبح المنافسة أشرس. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل نشهد بداية ثورة خضراء ستحول الصحراء إلى جنة زراعية، أم أن هذا مجرد طعم لما هو قادم من مفاجآت زراعية أكبر؟