في تطور صادم يكشف عمق الأزمة الاقتصادية في اليمن، تشهد أسواق الذهب فجوة سعرية مدمرة تصل إلى 288% بين مدينتين في نفس البلد، حيث يباع جرام الذهب عيار 21 في عدن بـ200 ألف ريال مقابل 51,500 ريال فقط في صنعاء. هذا الرقم الصاعق يعني أن جراماً واحداً في عدن يكلف أكثر من راتب موظف حكومي لشهرين كاملين، في مؤشر خطير على تفكك الاقتصاد الوطني وتحول الذهب إلى حلم بعيد المنال لملايين الأسر اليمنية.
أحمد المحمدي، موظف في عدن يبلغ من العمر 45 عاماً، يحكي قصته المؤلمة: "أردت شراء خاتم ذهبي بسيط لزوجتي بمناسبة ذكرى زواجنا، لكن عندما علمت أن الجرام الواحد يكلف 200 ألف ريال، أدركت أن راتبي الشهري البالغ 50 ألف ريال لا يكفي حتى لجرام واحد." هذا المشهد المأساوي يتكرر في آلاف البيوت، حيث تضطر الأسر لبيع ذهبها القديم أو تأجيل مناسباتها المهمة. جنيه الذهب الذي وصل سعره إلى 345 ألف ريال في عدن بات رمزاً للرفاهية المطلقة، بينما في صنعاء يباع بـ402 ألف ريال، مما يخلق فرصاً للمضاربة لكن بمخاطر عالية.
الجذور العميقة لهذه الكارثة الاقتصادية تعود إلى سنوات من الانقسام السياسي والجغرافي الذي حول اليمن إلى أسواق منفصلة بعملات مختلفة. د. محمد الصراري، الخبير الاقتصادي، يحذر: "هذه الفجوة السعرية الهائلة تشبه ما حدث في ألمانيا المقسمة، لكن الوضع في اليمن أكثر تعقيداً." أسعار الصرف المختلفة، وندرة السيولة، والتحكم في طرق التجارة، كلها عوامل تساهم في هذا التشوه المدمر. المقارنة مع أسعار الذهب العالمية تظهر أن اليمن يدفع ثمناً باهظاً لأزمته السياسية - فالجرام الذي يكلف 80 دولاراً عالمياً يصل سعره في عدن إلى ما يعادل 400 دولار.
فاطمة العدني، التاجرة الصغيرة البالغة 38 عاماً، نجحت في تحويل هذه الأزمة إلى فرصة من خلال الاستفادة من فروقات الأسعار بين المدن، لكنها تؤكد: "العمل محفوف بالمخاطر، والأرباح لا تستحق القلق المستمر." المواطنون العاديون يواجهون خيارات صعبة: إما الاستثمار في صنعاء بأسعار أقل مع صعوبات النقل، أو الشراء المحلي بأسعار مضاعفة. النتيجة المؤكدة هي خروج الطبقة المتوسطة تماماً من سوق الذهب، وتحول هذا المعدن النفيس إلى رفاهية مطلقة للأثرياء فقط. سالم الحداد، صائغ في صنعاء، يلاحظ: "زبائني تغيروا تماماً - لم تعد العائلات تأتي لشراء هدايا الأعراس، فقط تجار ومستثمرون."
هذه الفجوة السعرية الجنونية تنذر بمستقبل اقتصادي أكثر قتامة، حيث قد نشهد انهياراً كاملاً لقطاع الصاغة التقليدي وتحول الذهب إلى حلم مستحيل للأجيال القادمة. الخبراء ينصحون بمراقبة الأسعار بحذر والاستثمار بمبالغ صغيرة فقط، مع ضرورة التأكد من عيار الذهب ومصدره. السؤال المصيري الذي يطرح نفسه الآن: هل سنشهد يوماً يصل فيه سعر جرام الذهب الواحد إلى مليون ريال يمني، وماذا سيحدث لاقتصاد بلد بأكمله عندما يصبح أبسط أشكال الادخار مستحيلاً؟