في تطور صادم هز الأوساط الاقتصادية اليمنية، سجلت أسعار الذهب فجوة تاريخية وصلت إلى 300% بين صنعاء وعدن في نفس اليوم، حيث يُباع جنيه الذهب بـ509 آلاف ريال في العاصمة الشمالية، بينما يصل سعره إلى 1.55 مليون ريال في عدن الجنوبية - فارق مذهل يتجاوز المليون ريال للقطعة الواحدة! الخبراء يحذرون: "هذا ليس اقتصاد دولة واحدة، بل اقتصادان منفصلان تماماً."
فاطمة الحمادي، ربة منزل من صنعاء، تروي مأساتها بصوت مرتجف: "أريد بيع ذهبي لعلاج ابني المريض، لكن السعر هنا لا يكفي حتى لشراء الدواء، بينما نفس القطعة في عدن تكفي للعلاج والسكن!" المشهد يتكرر في محال الصاغة حيث طوابير المواطنين المصدومين تتجمع أمام اللوحات التي تعرض أرقاماً تبدو وكأنها من عوالم مختلفة. محمد الشامي، تاجر ذكي، نجح في الاستفادة من هذا الفارق الجنوني: "اشتريت 10 جنيهات من صنعاء وبعتها في عدن، الربح خيالي لكن المخاطر عالية جداً."
الأزمة ليست وليدة اليوم، فمنذ انقسام السيطرة على المدن اليمنية عام 2014، شهدت البلاد انفصالاً تدريجياً في السياسة النقدية أدى إلى طباعة عملات منفصلة وسياسات اقتصادية متضاربة. د. أحمد الكمالي، الخبير الاقتصادي، يقارن الوضع بـ"برلين المقسمة، حيث كانت نفس السلعة تُباع بأسعار مختلفة على جانبي الجدار." هذا التفكك الاقتصادي، الذي يشبه ما حدث في سوريا ولبنان خلال أزماتهما، يعكس عمق الأزمة التي تعصف باليمن منذ سنوات.
التأثير على الحياة اليومية للمواطنين مدمر، فالعائلات التي تعتمد على الذهب كمدخرات تجد نفسها أمام خيارات مؤلمة. علي المقطري، صائغ في عدن، يصف المشهد: "الناس تبكي عندما تسمع الأسعار، خاصة القادمين من المناطق الشمالية." النتائج المتوقعة تشير إلى هجرة جماعية للأموال من الشمال إلى الجنوب، وظهور أسواق سوداء للذهب، بينما يلجأ المواطنون بشكل متزايد للعملات الأجنبية كملاذ آمن. الفرص متاحة للمستثمرين الأذكياء القادرين على التنقل، لكن المخاطر الأمنية واللوجستية تجعل هذه المغامرة شديدة الخطورة.
في النهاية، يعكس هذا التباين الصادم في أسعار الذهب حقيقة مؤلمة: يمن واحد بعملة واحدة، لكن بأسواق منفصلة كلياً. الخبراء يتوقعون تفاقم الوضع دون تدخل دولي جدي لتوحيد السياسة النقدية. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: متى ستنتهي هذه المأساة الاقتصادية التي تحول الذهب من رمز للثراء إلى مؤشر على عمق الانقسام؟