في تطور اقتصادي صادم يهز أركان السوق اليمنية، انفجرت أسعار الذهب بفوارق مرعبة تصل إلى 300% بين عدن وصنعاء في يوم واحد فقط! ففي الوقت الذي تدفع فيه 200 ألف ريال يمني لشراء جرام ذهب عيار 21 في عدن، يمكنك الحصول على نفس الجرام بـ51 ألف ريال فقط في صنعاء - فارق قدره 148,500 ريال يكفي لإطعام عائلة كاملة لشهور! هذا التباين المرعب يطرح سؤالاً حارقاً: هل نحن أمام فرصة استثمارية ذهبية أم فخ اقتصادي قاتل قد يدمر مدخرات الآلاف؟
الصدمة تتجاوز مجرد الأرقام عندما ندرك أن جنيه الذهب الواحد يباع في عدن بـ345 ألف ريال بينما يصل سعره في صنعاء إلى 402 ألف ريال، في تناقض محير يتحدى كل القوانين الاقتصادية. "هذا جنون اقتصادي لم أشهده في 30 عاماً من العمل بتجارة الذهب" يقول أحمد الحضرمي، تاجر معادن نفيسة من عدن، وهو يحدق في لوحة الأسعار بعدم تصديق. أم محمد، ربة بيت من عدن، تروي مأساتها: "كنت أخطط لبيع قطعة ذهب ورثتها من والدتي لشراء دواء لابني، لكن عندما علمت أن نفس القطعة تباع بثلاثة أضعاف السعر في صنعاء، شعرت وكأن الأرض تنهار تحت قدمي."
الأسباب وراء هذا التباين المرعب تعود إلى انقسام العملة اليمنية وتعدد السلطات النقدية منذ 2014، مما خلق اقتصادات محلية منفصلة تماماً. الحصار الاقتصادي الخانق وانقطاع طرق التجارة بين المحافظات فاقم من هذه الأزمة بشكل درامي. د. عبدالله الاقتصادي، محلل مالي متخصص، يؤكد: "لم تشهد اليمن تبايناً مماثلاً في الأسعار حتى في أحلك أيام الصراعات السابقة، هذا يؤرخ لمرحلة جديدة من التفكك الاقتصادي." المقارنات التاريخية تشير إلى أن آخر مرة شهدت البلاد فوارق أسعار بهذا الحجم كانت خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كانت المناطق معزولة تماماً عن بعضها البعض.
التأثير على الحياة اليومية للمواطنين اليمنيين كارثي بكل المقاييس. كل جرام ذهب أصبح يمثل معضلة حقيقية: أشهراً من التوفير الشاق أو لحظة ندم قد تدوم مدى الحياة. سالم، صائغ في سوق الذهب بصنعاء، يصف المشهد: "أرى العملاء يدخلون محلي وأعينهم مليئة بالحيرة والخوف، يحسبون ويعيدون الحساب، فكل قرش له قيمة مضاعفة الآن." الخبراء يتوقعون موجات هجرة اقتصادية داخلية مع ازدهار التجارة السرية بين المدن، لكنهم يحذرون من مخاطر المضاربة بدون خبرة كافية. الفرصة موجودة للمستثمرين الأذكياء، لكن المخاطر محدقة بالمغامرين غير المحنكين.
في خضم هذا الإعصار الاقتصادي، تبقى الحقائق صادمة: فارق 300% في رحلة 400 كيلومتر فقط، ومئات الآلاف من الريالات تفصل بين الثراء والإفلاس. السؤال الحارق الذي يطرح نفسه: هل سنشهد توحيداً تدريجياً للأسعار أم انقساماً اقتصادياً أعمق يشطر البلاد إلى عوالم متوازية؟ للمستثمرين والمدخرين رسالة واحدة: راقبوا بحذر، تعلموا بصبر، واستثمروا بحكمة - فالسؤال ليس متى ستتحسن الأوضاع، بل هل ستصمد مدخراتكم حتى ذلك الحين؟