في مشهد اقتصادي مرعب لم تشهده منطقة الشرق الأوسط من قبل، سجلت أسعار صرف العملات الأجنبية في اليمن تبايناً صادماً وصل إلى 300% بين عدن وصنعاء، حيث يباع الدولار الواحد بـ1633 ريالاً في عدن مقابل 540 ريالاً فقط في صنعاء - فرق مذهل يقدر بـ1093 ريالاً يمنياً. هذا التباين الكارثي يعني أن البلد الواحد يعيش اليوم واقع دولتين اقتصاديتين منفصلتين تماماً، في مأساة حقيقية تهدد حياة 30 مليون يمني محاصرين بين نارين اقتصاديين مدمرين.
التفاصيل المروعة تكشف أن الريال السعودي يحقق أرقاماً أكثر صدمة، حيث يباع بـ428 ريالاً يمنياً في عدن مقابل 140.5 ريال فقط في صنعاء - تباين يصل إلى 205% يجعل عملية بسيطة كتحويل 100 ريال سعودي من صنعاء إلى عدن تحقق ربحاً قدره 28,750 ريالاً يمنياً. أحمد المحمدي، معلم في صنعاء براتب شهري لا يتجاوز 32,100 ريال يمني (60 دولاراً بسعر صنعاء)، يروي مأساته: "راتبي كاملاً لا يكفي لشراء كيس دقيق واحد بأسعار عدن، نحن نعيش في جحيم اقتصادي حقيقي."
الأزمة التي بدأت مع انقسام البنك المركزي اليمني إلى فرعين منفصلين في عدن وصنعاء عام 2016، تطورت لتصبح كارثة اقتصادية لا يمكن السيطرة عليها. الخبراء يقارنون الوضع بـألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى عندما كان المواطن يحتاج عربة يد مليئة بالأوراق النقدية لشراء رغيف خبز. د. محمد الحضرمي، خبير اقتصادي متخصص في الشؤون النقدية، يحذر من سيناريو أسود: "الوضع كارثي بكل المقاييس، نحن أمام انهيار اقتصادي تام قد يحدث خلال الأشهر الستة القادمة."
المأساة الإنسانية الحقيقية تتجلى في تفاصيل الحياة اليومية المدمرة، حيث تحتاج العائلة المكونة من 6 أفراد في صنعاء إلى راتب مدير شركة كبرى لتعيش عيشة الكفاف الأساسية. فاطمة الصنعانية، أم لخمسة أطفال، تضطر لبيع ذهبها قطعة تلو الأخرى: "بعت خاتم زواجي لأشتري دواء ابني المريض، والآن أفكر في بيع آخر ما أملك." النتائج المتوقعة تشير إلى نزوح جماعي من صنعاء إلى عدن، رغم أن كلفة النقل أصبحت بحد ذاتها حلماً مستحيلاً لمعظم الأسر اليمنية المنكوبة.
بينما يغرق اليمن في أعمق أزماته الاقتصادية، يواجه العالم سؤالاً أخلاقياً مؤلماً: كم من الوقت يمكن لشعب أن يصمد وعملته تنهار تحت قدميه كل يوم؟ الأرقام تصرخ بأن الوقت ينفد سريعاً أمام أي تدخل دولي عاجل، والسؤال الحقيقي لم يعد متى سيتحسن الوضع، بل هل سيبقى هناك اقتصاد يمني أصلاً؟