في تطور دراماتيكي هز أروقة السياسة الإقليمية، ضخت السعودية 90 مليون دولار في 24 ساعة لإنقاذ مئات الآلاف من الموظفين اليمنيين من براثن أزمة مالية خانقة استمرت 4 أشهر كاملة. هذا المبلغ الضخم، الذي يعادل تكلفة بناء 900 مدرسة، وصل بسرعة البرق إلى حسابات البنك المركزي اليمني، ليحول دموع اليأس إلى ابتسامات الأمل في وجوه موظفين كانوا على حافة اليأس.
وسط طوابير طويلة امتدت أمام البنوك في عدن صباح الأحد، وقف محمد العامري، موظف حكومي وأب لخمسة أطفال، يرتجف من الإثارة وهو يحمل بطاقة الصراف الآلي لأول مرة منذ شهور. "لم أصدق عيني عندما رأيت رصيدي"، يقول محمد بصوت متقطع، "باعت زوجتي مجوهراتها لتطعم الأطفال، والآن نستطيع شراء الدواء لابنتي المريضة." هذا المشهد تكرر في مئات البنوك عبر المحافظات المحررة، حيث تدفقت أموال المنحة السعودية مثل نهر الحياة في صحراء اقتصادية محترقة.
الأزمة التي دفعت السعودية للتدخل العاجل لم تكن وليدة اليوم، بل نتاج عقد كامل من التدمير المنهجي بدأ مع انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران عام 2014. لكن الضربة القاضية جاءت في أكتوبر 2022، عندما شنت الميليشيات الحوثية هجمات مدمرة على موانئ تصدير النفط، مما أدى لخسائر فلكية بلغت 3 مليارات دولار في ثلاث سنوات فقط. هذا الرقم المرعب، الذي يعادل ميزانية دولة بأكملها، كشف مدى الكارثة الاقتصادية التي يعيشها اليمن حيث يشكل النفط 70% من ميزانية الدولة.
التأثير الفوري للدعم السعودي تجاوز مجرد الأرقام ليصل إلى قلب الحياة اليومية لملايين اليمنيين. فاطمة السلمي، زوجة ضابط عسكري، تروي كيف تغيرت حياتها خلال ساعات: "أطفالي أكلوا وجبة كاملة لأول مرة منذ شهرين، ولم أعد أخاف من طرق باب البقال." الدكتور أحمد المحضار، محافظ البنك المركزي، أكد أن هذا التدفق النقدي العاجل "خط الحياة الوحيد" لاقتصاد كان على حافة الانهيار التام. السيناريوهات المستقبلية تتراوح بين الأمل والحذر: فبينما يتوقع الخبراء انتعاشاً مؤقتاً يستمر 6-12 شهراً، يحذرون من أن الحل الجذري يتطلب وقف الحرب وإعادة بناء شاملة للاقتصاد.
رغم هذا النجاح العاجل في إنقاذ الموقف، تبقى التساؤلات الكبرى معلقة حول مصير باقي المنحة البالغة 278 مليون دولار والخطة طويلة المدى لإعادة بناء اليمن. الدعم السعودي، الذي وصفه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بـ"الإجراء العاجل الذي أسهم بشكل مباشر في تعزيز الاستقرار المالي"، قد يكون مجرد بداية لمشروع إعادة إعمار أكبر. السؤال الحاسم الآن: هل ستكون هذه اللحظة نقطة التحول نحو نهضة اقتصادية حقيقية لليمن، أم مجرد مسكن مؤقت لجراح عميقة تحتاج لعلاج جذري؟