في تطور استثنائي يهز المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، تستعد 20 دولة عربية لخوض معركة هوية نارية في مدرجات قطر خلال كأس العرب 2025، حيث ستتحول الاستادات إلى ساحات حرب ثقافية لا تقل ضراوة عن المنافسة الكروية نفسها. 70 عاماً من التطور والإبداع الجماهيري تنتظر لحظة الانفجار، و18 يوماً فقط تفصلنا عن أكبر عرض للهوية العربية في التاريخ الرياضي.
في قلب هذا الصراع الثقافي الملحمي، يقف المنتخب السعودي بقوامه الأساسي تحت قيادة الفرنسي هيرفي رينارد، حاملاً معه 23 لاعباً وملايين الأحلام من جماهير تستعد لإطلاق أهزوجة "لا تهزّك ريح يا الأخضر" التي ستدوي في أرجاء الاستادات القطرية. فاطمة الزهراني، قائدة مجموعة أولتراس نسائية سعودية، تكشف: "نحن لا نشجع فريقاً فقط، بل نحمل هوية أمة كاملة على أكتافنا، وكل نبضة في صوتنا تحكي تاريخ 70 سنة من العشق الكروي."
هذه المعركة الجماهيرية لم تولد من فراغ، بل هي نتاج تطور مذهل بدأ في الخمسينيات عندما كان المشجع يكتفي بالوقوف بساطة، ليتحول اليوم إلى فن الأولتراس المعقد الذي انتشر منذ التسعينيات. نجاح مونديال قطر 2022 في تعريف العالم بالثقافة العربية، واعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في الفيفا، أشعل شرارة طموح جماهيري جديد. د. أحمد الثقافي، أستاذ التراث الشعبي، يؤكد: "الأهازيج الرياضية أصبحت أقوى وسائل حفظ التراث من الاندثار، فما كان يُغنى في القرى أصبح يُهتف في الاستادات."
من المتوقع أن تشهد مدرجات قطر انفجاراً ثقافياً حقيقياً، حيث ستتنافس الأهازيج من "ديما مغرب" المغربية إلى "وان تو ثري فيفا لالجيري" الجزائرية، مروراً بـ"بلادي يا بلادي" المصرية، في سيمفونية عربية تتناغم مع لوحات التيفو العملاقة والحركات الجماعية المنسقة. محمد الجماهيري، مشجع أردني، يعبر عن دهشته: "كنت أعتقد أن التشجيع مجرد صراخ، لكنني أدركت أنه فن يحتاج لسنوات من التحضير والإبداع." فيما يتطلع عمر التونسي، الذي حضر مونديال 2022، لإعادة إحياء نفس الأجواء الساحرة التي جعلت العالم يقف مذهولاً أمام عظمة الضيافة العربية.
هذه البطولة تحمل في طياتها فرصة ذهبية لتسويق التراث العربي عالمياً وإنتاج محتوى رقمي يحقق مليارات المشاهدات، لكنها تواجه تحدياً حقيقياً في الحفاظ على الأصالة وسط موجة التطوير التقني. النجاح في هذا الامتحان قد يولد أهزوجة عربية موحدة تصبح رمزاً للوحدة العربية، فيما الفشل قد يؤدي إلى تشويه التراث أو تسطيحه. الرهان كبير، والمخاطر عالية، لكن الحلم أكبر.
كأس العرب 2025 لن تكون مجرد بطولة كروية، بل ستشهد ولادة عصر جديد من الإبداع الجماهيري العربي، حيث ستتحول المدرجات إلى معارض ثقافية حية تحكي قصة أمة تفخر بتراثها وتتطلع لمستقبلها. على كل مشجع عربي أن يستعد لصنع التاريخ في استادات قطر، فالسؤال الآن: هل ستشهد ديسمبر 2025 ولادة أهزوجة عربية تتردد في المدرجات للأجيال القادمة؟