في مشهد نادر يتحدى قوانين الزمن في عالم الفن المتسارع، يقف ناصر القصبي اليوم شامخاً بعد 40 عاماً كاملة من الإبداع المسرحي المتواصل - رقم يضعه في مصاف الأساطير الحقيقية. من طالب جامعي في الثالثة والعشرين إلى عملاق المسرح في الثالثة والستين، حقق القصبي ما يبدو مستحيلاً في زمن تتسارع فيه وتيرة النسيان. آخر فرصة لمشاهدة هذه الأسطورة الحية وهي تكتب فصلاً جديداً من تاريخ المسرح السعودي تنتظركم في "طال عمره".
تبدأ الحكاية من عام 1984، حين وقف شاب يبلغ من العمر 23 عاماً على خشبة المسرح الجامعي بجامعة الملك سعود، يقدم مسرحية "حلم الحياة" دون أن يدرك أنه يزرع بذرة ستنمو لتصبح شجرة باسقة تثمر اليوم في موسم الرياض. "أحمد الحضور، 45 عاماً، من جمهور تلك العروض الأولى: 'لا أصدق أنني أراه اليوم بنفس الحماس الذي رأيته به قبل أربعة عقود'". رحلة استثنائية امتدت من بساطة المسرح الجامعي حيث رائحة خشب الخشبة القديمة، إلى فخامة مسرح بكر الشدي الحديث حيث تقنيات الإضاءة المتطورة تخطف الأبصار.
لكن الطريق لم يكن مفروشاً بالورود دائماً. فقد شهدت التسعينيات والألفية الأولى انقطاعاً مؤلماً عن المسرح، عقدان كاملان من الصمت في فترة كانت المسارح العالمية تشهد ثورات حقيقية. "سعد الطالب، 55 عاماً: 'فقدت الأمل في رؤية مسرح سعودي راقٍ خلال تلك الفترة المظلمة'". لكن عام 2019 جاء بالمفاجأة الكبرى، عودة الأسطورة من خلال موسم الرياض بمسرحية "بخصوص بعض الناس"، كنهر جف لعقدين ثم عاد يتدفق بقوة مضاعفة.
اليوم، وبينما يقف القصبي على خشبة مسرح بكر الشدي يقدم "طال عمره" - وكأن العنوان نفسه يتحدث عن رحلته الفنية - نرى تأثيراً يتجاوز حدود المسرح إلى قلوب الأسر السعودية. "فاطمة المسرحية، 28 عاماً، ممثلة شابة: 'القصبي ألهمني للدخول في عالم التمثيل، إنه الجسر الذي نعبر عليه من الماضي إلى المستقبل'". الآلاف يتدفقون لحضور العرض، ليس فقط لمشاهدة مسرحية، بل لتوديع حقبة وترحيب بأخرى. موسم الرياض أصبح منصة لإحياء المسرح السعودي، مما يفتح المجال أمام استثمارات ضخمة في المحتوى الثقافي المحلي.
وسط تصفيق الجمهور الذي يصدح عبر العقود الأربعة، ودقات القلب المتسارعة من الفخر والحنين، يقف القصبي اليوم ليس فقط كممثل، بل كرمز لإمكانية الديمومة في عالم متغير. أربعة عقود من العطاء تؤكد أن المسرح السعودي قادر على تحدي الزمن. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سنشهد 40 عاماً أخرى من هذا التألق، وهل سيجد القصبي من يحمل الراية بعده؟