في تطور دبلوماسي صادم يعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط، تجلس إسرائيل لأول مرة منذ 58 عاماً مع مسؤولين لبنانيين في نقورة الحدودية لمناقشة التعاون بدلاً من الحرب. المفاجأة الأكبر: في المكان نفسه الذي شهد قصفاً متبادلاً قبل أشهر قليلة، تُطرح الآن مشاريع تجارية بمليارات الدولارات. مع بقاء 364 يوماً فقط على الموعد النهائي الأمريكي لنزع سلاح حزب الله، تسابق الأطراف الزمن في لحظة فارقة قد تحدد مصير المنطقة للعقود القادمة.
في قاعة متواضعة بنقورة الحدودية، جلس أوري رسنيك ممثلاً عن أقوى جيش في الشرق الأوسط مقابل مسؤولين مدنيين لبنانيين، بينما راقب مورجان أورتاغوس الأمريكي كل كلمة تُقال. التقارير تشير إلى إعادة بناء حزب الله لـ40% من قدراته العسكرية المدمرة، مما يجعل هذه المحادثات سباقاً حقيقياً مع الزمن. "المحادثات جرت في أجواء إيجابية" وفقاً للبيان الرسمي، لكن أحمد المزارع من الجنوب اللبناني، الذي فقد محصوله بالكامل خلال القصف الأخير، يقول بحذر: "نريد سلاماً حقيقياً، لا مجرد هدنة مؤقتة."
هذه المبادرة تأتي في سياق معقد يشبه محادثات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، لكن مع تعقيدات حزب الله الذي يُعيد بناء قوته بسرعة البرق كنبات الأعشاب الذي ينمو بين شقوق الأسفلت. الخلفية المباشرة تعود لحملة عسكرية استمرت شهرين في 2024 أضعفت قيادة الوكيل الإيراني، قبل أن تدخل هدنة حساسة حيز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي. د. كمال الخبير الاقتصادي يحذر: "الاقتصاد الإسرائيلي أكبر 8 مرات من اللبناني، لكن التحدي الحقيقي هو السلاح المخفي في الجنوب."
التأثير الفوري لهذه المحادثات يتجاوز القاعات الدبلوماسية ليصل إلى كل بيت لبناني. سارة التاجرة من صيدا ترى في هذه الخطوة فرصة ذهبية لتوسيع تجارتها عبر الحدود بعد عقود من الانتظار، بينما تطرح المحادثات إمكانيات استثمارية في البنية التحتية والطاقة قد تُنهي أزمة الكهرباء اللبنانية المزمنة. لكن السيناريو الأسوأ يلوح في الأفق إذا فشلت هذه المبادرة: عملية عسكرية إسرائيلية واسعة قبل انتهاء المهلة الأمريكية. محمد الحارس الحدودي، الذي عمل في نقورة 20 عاماً، يصف المشهد: "لأول مرة أرى مسؤولين من الجانبين يتحدثون بدلاً من القتال، لكن الجميع يعلم أن السلاح ما زال مُصوباً."
بينما تفوح رائحة القهوة اللبناني في قاعة نقورة حيث تُناقش مصائر الشعوب، تبقى الأسئلة الحاسمة معلقة: هل ستقبل طهران بفقدان أهم أوراقها في المنطقة؟ وهل يمكن لحزب الله أن يتحول من منظمة مسلحة إلى حزب سياسي؟ الإجابة على هذين السؤالين ستحدد ما إذا كانت هذه المحادثات بداية عصر جديد من السلام والازدهار، أم مجرد هدوء يسبق عاصفة أكبر. الساعة تدق، والعد التنازلي قد بدأ.