في صدمة عمّت الوسط الفني المصري، أعلن النجم رضا البحراوي إلغاء جميع حفلاته لثلاثة أيام متتالية حداداً على رحيل صديقه المطرب الشعبي إسماعيل الليثي، الذي قضى في حادث مروع عن عمر 45 عاماً فقط. أربعة أرواح بريئة راحت ضحية حادث واحد على طريق الموت الصحراوي، بينما يضحي فنان نبيل بآلاف الجنيهات وفاءً لذكرى صديق راحل - موقف نادر في زمن طغت فيه المادة على المشاعر الإنسانية.
كتب البحراوي بقلب مكسور عبر فيسبوك: "بكل الحزن والأسى، أعلن إلغاء جميع أعمالي خلال أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء حداداً على روح أخي العزيز إسماعيل الليثي". أحمد محمود، من محبي البحراوي، كان ينتظر الحفلة بفارغ الصبر لكنه الآن يؤيد القرار: "الفن له أخلاق والوفاء أهم من أي حفلة". الطريق الصحراوي الشرقي قرب ملوي تحول إلى مقبرة جماعية فجر الجمعة، حيث سقط 6 مصابين بجانب الأربعة الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة.
هذا التقليد النبيل في الفن المصري ليس جديداً - فكما ألغت أم كلثوم حفلاتها حداداً على زملائها، يواصل جيل اليوم نفس القيم الأصيلة. الدكتور محمد عبد الرحمن، طبيب الطوارئ بمستشفى ملوي، شهد اللحظات الأخيرة: "وصل إسماعيل في حالة حرجة جداً، رأيت حالات كثيرة لكن هذه كانت مؤلمة بشكل خاص". الطريق الصحراوي كالوحش الكاسر يلتهم الأبرياء دون تمييز - هكذا وصفه أحد سكان المنطقة الذين سئموا من تكرار هذه المآسي.
بينما تسود حالة الحداد الوسط الفني، تتصاعد الأصوات المطالبة بتطوير منظومة الطرق القاتلة. فاطمة أحمد، والدة الليثي الثكلى، تنتحب: "ابني كان بيحضر مفاجأة لجمهوره، لكن القدر كان له رأي تاني". خالد الشاعر، صديق في الوسط الفني، يصف الصدمة: "إسماعيل كان روح طيبة، كلنا مصدومين من الخبر". الخسارة بحجم هدم مسرح كامل - موهبة اختفت في لحظة واحدة، تاركة وراءها عائلة مكلومة وجمهوراً يبكي صوتاً أحبه بصدق.
موقف البحراوي النبيل يطرح تساؤلات مؤلمة حول أولوياتنا كمجتمع. هل سنكتفي بالحداد المؤقت أم سنتحرك جدياً لإنقاذ الأرواح على طرقنا القاتلة؟ وبينما تقرأ هذه الكلمات، طريق آخر ينتظر ضحيته القادمة. السؤال المؤلم يبقى معلقاً: متى سنتوقف عن دفن مواهبنا على أسفلت قاتل؟ ومن سيكون الضحية القادمة في مأساة كان يمكن تجنبها؟